أحمد صقر يكتب: الحب في زمن الثورة

من الرائع أن ننشغل بالحب بدلا من الكراهية.. أن نتحدث عن الموهوبين بدلا من معدومي المواهب متصدري المشهد، أول مرة سمعت عن محمد محسن كان في يونيو 2010 وكان صديقي وشريكي في السكن لفترة طويله في دبي أحمد الدسوقي مصاب بمتلازمة الغرام بفن محمد محسن ليل نهار، قبل أن يكون جمهور محمد محسن بالمئات وليس مئات الآلاف كما يتطور الأمر الآن.. وجد صدفة قناته على اليوتيوب فاستمع إليه يغني رائعة سيد درويش ليصير أحمد الدسوقي من أكبر عشاقه. اعجبتني الموهبة وتمنيت أن تستطيع شق طريقها في مجتمع لا يسمح للمواهب بالمرور ما لم تفرط وتقدم تنازلات كثيرة تطفي نصف الموهبة في مجتمع يتحكم فيه معدومي المواهب في منظومة القرار.

قامت ثورة يناير، جرى في النهر ماء كثير وظهر محمد محسن وغيره من المطربين والفرق من قلب الميدان ينشدون أغاني الحماس من فوق المنصات.. جاء علينا اعتصام يوليو واصطحبت أمي في مليونية من المليونيات الكثيرة التي جررنا لها بعبط وبراءة البدايات، وكنت أحد المتحدثين على المنصة، والذي يليه في الكشف الممسوك في الغالب من صاحب الفراشة هو اسم محمد محسن.

كانت المنصه الرئيسية يتزاحم عليها المتحدثون.. وكان لي تجربه للحديث من ترابيزة مرتفعة للجماهير يوم 30 يناير وقبل أن تتعافى إصابة الخرطوش التي استكملت علاجها بعدها بثلاث أسابيع في المستشفي الإيراني بدبي، وهو أحد أرخص وأجود المستشفيات العامة في دبي إذا ما نحيت صراع مذهبي لا وجود له في الطب وتجاهلنا فزع وهلع الطبيب الإيراني من الأشعه التي أظهرت بقاء بلي الخرطوش في ذراعي وساعدي، وهو غير مستوعب علاقة الخرطوش، ظنا منه أني أصبت به في دبي!

تحدثت عن ضرورة الاتحاد ورفع سقف المطالب بعد ما حدث معنا يوم 28، وكان ذلك قبل معركة الجمل، ولازال الدخان باديا من مبني الحزب الوطني على استحياء.. وكانت تجربتي الأولى للحديث بشكل عفوي دون أن تعرف الناس من المتكلم، لدرجة أني بعد انتهاء حديثي القصير العفوي غير المرتب تتبعني بعد الأفراد يحدثونني إذا ما كنت أنا أدمن صفحة خالد سعيد، قبل أن نعرف عن الثنائي الموهوب والمظلوم وائل غنيم وعبدالرحمن منصور مؤسسيها وأصحاب فضل في تجمعنا وقتها، وأنا احاول الاختفاء وسط الحشود بعد أن عرفت أن هناك كثيرا من الاعتقالات تطول العائدين من الميدان، وبعدما شاهدت أحد الظباط العاملين في جهة سيادية، الذي اعرفه من خلال العلاقات الاجتماعية، موجودا في قلب الميدان يقوم بالملاحظة في صمت.

كانت تجربتي الأولى اتبعها تجربتي الثانية في يوليو التي كان يليني فيها محمد محسن.. كان متحدثا قبلي زياد العليمي، ولم نكن نعرف بعض وقتها.. وخلال الانتظار تبادلت السلام مع المطرب الثوري وسط محاولات مسؤل الميكرفون تقمص شخصية ماجد الكدواني في فيلم \”الفرح\” وتطفيش أكبر قدر من المتحدثين.. كنت ارغب في مواجهة فكرة أن الميدان غير آمن التي للأسف كان مروجيها –وقتها- الإخوان المسلمين.. اردت أن اقول إن أمي معي وتشعر بالأمان، وإننا باقون على العهد.. لن تذهب عقولنا ذهب السلطان ولن تخيفنا عصاه.. تحدثت بلا ترتيب وسط تجاوب لم اتوقعه، ثم نزلت جريا إلى أمي لاطمئن عليها، وأنا اسمع في الخلفيه محمد محسن يشدو إلى الجماهير ويتصاعد الحماس. سعدت أن ارى كلمتي مرفوعة على اليوتيوب من أشخاص لا يعرفونني بعناوين تقول إن الصدق أقصر طريق القلوب والعقول.

تنامت نجومية محمد محسن وصرت من معجبيه الباحثين عن فنه.. جاء إعلان حفل له منذ عام بساقية الصاوي، فاصطحبت حبيبتي أجمل بنات الدنيا وتخلصنا من الأشرار الصغار عند جدتهم، وسرقنا من العمر ساعتين من المتعة ونحن لا نجد مكانا للوقوف في الباحة الخلفية وسط كراسي كامل العدد.. استمتعنا بأغاني سيد درويش، وكانت أول مرة استمع له يغني أغنية \”من زمان جدا\” التي قدمها إلى خطيبته منذ أيام على المسرح… كانت نهاية الأغنية ملحمية، بطبقات صوته الجهوري في كلمة من زمااااااااااااااان.. كانت اعلانا ثوريا بالحب، وجهرا بالمشاعر في نور الله بلا خوف.. كانت من أنجح حفلات محمد محسن، إلا أن القدر كان يرتب لي لقاء آخر معه ويرتب له حفلة استثنائية.

توليت لأشهر قليلة منصب المدير التنفيذي لمؤسسة \”نبني\”، وخلال تلك الأشهر، نظمنا لأول مرة حفل music for a cause والتي أقيمت قبل رمضان الماضي بالجريك كامبس، وكان لأول مرة يجتمع فريق كاريوكي متبرعين بأجرهم وزاب ثروت ومحمد محسن.. مرت الحفله بكم لا نهائي من التحديات، بدأ من موافقتي على إقامة الحفل برغم اعتراض أغلب أعضاء مجلس الأمناء وتحملي المسؤلية كاملة لدعم مغامرة شباب عفوي جامح يتصارع مع العالم ويتصارع فيما بينه، ولا تخلو كل صراعتهم من الموهبة والإبداع التي أخرجت من رحم الصراعات أحد أنجح حفلات الموسم للثلاث فرق بشهادة مديري أعمالهم، فضلا عن كمية الإشادة بالجو والتنظيم الذي أطلق عليه شغل فنادق من الحاضرين برغم أن الحقيقة أننا غزلنا بدون رجل الحمار أو إمكانيات وسط محاربة إن سردت تفاصيلها لن يصدقها عقل، وكانت الحفلة مهددة بالإلغاء من الأمن بعد أن ألغوا حفل كاريوكي في الميوزك تانت وحفل مسار إجباري في الإسكندرية، لنظل على أعصابنا وسط ملاعبة ومزاولة من الأجهزة الرسمية تدخل فيها الكثير للوصول إلى أكثر من وزير للضغط من أجل اتمام الحفل الذي يذهب عائده إلى مشروع مركز لريادة الأعمال الخيري والتنموي.. ويبدو أن السلطة بعد أن وجدت نفسها في مأزق إلغاء حفل عائده للخير قد يزيد من فداحة الثمن، فقرروا إقامة الحفل على مضض، لكنهم لم يعطونا الإعفاء الضريبي المسموح به للجمعيات غير الهادفة للربح مما تسبب في ضياع ثلثي العائد كضرائب ملاهي.

كانت الأعصاب مشدودة من الجميع، وسهر الشباب ليلتها وتجاوزوا كل خلافتهم لإنجاح تنظيم الحفل الذي جمع كل ما يحب يناير ويحبه يناير. استقبلت محمد محسن قبل صعوده لآداء أول فقرة، وكان الحضور كثيفا بلا موضع قدم برغم امتحانات نهاية العام، واقتراب رمضان بعد أيام. غنى يومها محمد محسن كما لم يغن من قبل.. أو هكذا شعرت.. كانت أحد حفلاته النادرة، حيث الجمهور وقوف، بعد أن قررنا أنه يجوز الجمهور وقوف مع محسن إلا أنه من المستحيل أن نقيم حفلا جلوس في وجود كاريوكي، وهم يغنون \”اتجنن\” مثلا.. انهى محسن فقرته بعد أن طلب الجمهور أن يعيد غناء \”من زمان\” مرتين، ثم امتعنا بقصيدة \”بندعيلكم\”، فى وجود شاعرها مصطفى إبراهيم وسط الحضور.. اخبرني مدير أعماله أن محمد، سعيد جدا بالتفاعل الرهيب والأجواء والإضاءة، وعندما أعلنا أن كاريوكي تبرع بأجره، أخبرني مدير أعماله أنهم لم يدركو أن التعاقد لعمل خيري إلا يوم الحفل، ووعدوا بأن يغني محمد محسن في الحفل الخيري القادم متبرعا بأجره، وأنا هنا أذكره بوعده من أجل حفل خيري سيقيمه بإذن الله في أسوان في فبراير بعد القادم في مطلع 2017 بإذن الله.

حييته وهو مغادر الحفل وهو يشكرنا بحرارة على نجاح الحفل، ثم عدت لألحق شباب \”نبني\” الجامعة الالمانية وباقي شباب المؤسسة وهم يتقافزون على أنغام \”افرح واتجنن لو حتى يوم\”.. \”لو كل الناس هايقولوا عليك مجنون\”.. اشتبكت معهم قفزا ورقصا لأعود بالعمر خمسة عشر عاما للوراء في لحظة لا تنسى من التغلب على التحديات والخلافات والمتناقضات ليجمعنا الفرح والحب.

سافرت اليابان في رحلة علم قد تطول، وانقطعت أخبار محمد محسن حتى أول أمس، عندما وجدت اسمه مقترنا باسم فتاة لا اعرفها جهلا مني.. بحثت لاعرف أنه تقدم لخطبتها على المسرح مغنيا نفس الأغنية.. ذات النهاية الملحمية.. تحول كلاهما من نجوم نصف معروفين إلا لمحبيهم إلى نجوم \”الميين ستريم\” حيث يعرفهم الجميع بغض النظر عن حبهم أو عدمه لفنهم.. ما بين مهنيء أو متخذ لوضع لطفي لبيب، أو البنت اللي ورا لطفي لبيب أو دعاة السف على \”الميين ستريم\” أو دعاة السف على اللي بيسفوا على \”الميين ستريم\”.. إلا أن المهم أننا نتحدث جميعا عن قصه حب نتمنى وندعو أن تنمو وتصمد أما جحيم الشهرة والطموح.. قطع كل منهما أمتارا كبيرة في سلم النجومية، واستمع إلى غنائهم مئات الآلاف تشهد عليها أرقام اليوتيوب التي قفزت بين ليلة وضحاها.. وبدلا من نجوم كثر يبذلون الغالي والرخيص لتوطيد علاقات صحفية فنيه تخبرنا عن الفنانة اللي اشترت نضارة أو برباتوز طلع واسع، استثمر نجوم جيلنا في شباك السوشيال ميديا ولغة العصر، ليصلوا إلى الملايين، ويجبروا الإعلام أن لا يتجاوز موهبتهم ويحتفي بهم وبقصة حبهم.. فضلا عن توقعي باكتمال العدد في مسرحية \”ألف ليلة وليلة\”، أكبر المستفيدين، لينافسوا معشوقتي المسرحية \”1980 وأنت طالع\” التي اشتقت لها كثيرا في غربة طوكيو. يبقى التحدي الأكبر أن يستثمر محمد وهبة الزخم، ليمتعونا بالفن الراقي، وأن يضربا المثل بحياة متوازنة بكل لحظات مجد وضعف بشريتها، ولا يسمحا للشهرة أو كلمات الإعجاب أن تفسد علاقة ندعو لها بالنجاح وموهبة لم تؤت كل ثمارها بعد.

تحيا الأمم بتمكين المواهب لا محاربتها وسجنها.. سنحتفي بكل حب يذكرنا بحلاوته وبهائه.. لأننا نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top