د. مجدي الجعبري يكتب: هكذا نصنع طواغيتنا

 

يقول المثل الشعبي، \”قالوا لفرعون إيه فرعنك قال ما لقيت حد يردني”، هذا المثل يجسد حالة متأصلة في وجدان الشعب المصري الذي يجيد صناعة الفرعون، وتشير الدراسات التي تناولت الحضارة المصرية القديمة إلى اعتقاد الفراعنة ببنوتهم للإله \”رع\”، الذي يمثل إله الشمس والذي كان يعبده قدماء المصريين، والملك في مصر الفرعونية كان إلها، فالملك هو الوسيط بين الشعب والآلهة، حيث يقال إن الإله الأعلى \”رع\” نصب ابنه ملكا على أرض مصر، لذلك اتخذ الفرعون لقب \”ابن رع\”، فمن واجب \”رع\” الإله الأكبر أن يضمن لأرض مصر حٌكما إلهياً، وكان المصريون القدماء يعبدون الفرعون باعتباره إلها أو ابن الإله الأعلى وممثل الإله في الأرض، ونحن ورثة المصريين القدماء ومازلنا في عصرنا الحديث نعاني من هذا الإرث.

وبالنظر إلى حكام مصر منذ ثورة يوليو 1952، نجد أن مجلس قيادة الثورة قام بعزل الرئيس محمد نجيب ووضعه تحت الإقامة الجبرية عام 1954، وكانت القوات المسلحة خلال تلك الفترة في صدارة مراكز القوى في الدولة، وتـضخمت أجهزة أمن الدولة والمخابرات العامة، وخضع الإعـلام لمقـتضيات معارك التحرر، وتحمل الاقتصاد الوطني أعباء معارك التحرر، وعندما اتخذ الرئيس عبد الناصر قراره بالتنحي بعد نكسة يونيو 1967 والتي اعترف بمسئوليته عنها، امتلأت الشوارع بالمصريين تطالبه بالعدول عن قرار التنحي، وكان الدافع حبهم للرئيس عبد الناصر والثقة في قيادته.

وفي فترة حكم الرئيس السادات تم إصدار دستور 1971 والذي أٌطلق عليه الدستور الدائم، وقد منح هذا الدستور رئيس الجمهورية 33 صلاحية، منها في الباب الخامس المتعلق بنظام الحكم أن رئيس الجمهورية يتولى السلطة التنفيذية، وإنه يضع السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع مجلس الوزراء ويشرفان معا على تنفيذها، وأن رئيس الجمهورية يعين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم ويعفيهم من مناصبهم. ويجوز للرئيس تعيين نائبا له أو أكثر يحدد لهم اختصاصاتهم ويعفيهم منها، ووفقا للدستور فإن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للشرطة وبما يعني منح الرئيس صلاحيات مطلقة، هذا بالإضافة إلى تعديل المادة 77 الخاصة بمدة الرئاسة، والتي كانت تحدد مدد الرئاسة بفترتين جرى تعديلها لتصبح \”مددا أخرى\” لتسمح باستمرار الرئيس السادات في الحكم مدى الحياة.

وقام مجلس الشعب في عهد الرئيس حسني مبارك بتعديل المادة 76 من الدستور، وتٌفَوض هذه المادة مجلس الشعب اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية بناءً على اقتراح ثلث أعضائه، على أن يٌعرض المرشح الحاصل على ثلث أصوات المجلس على المواطنين لاستفتائهم فيه، وكان الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم خلال تلك الفترة يتمتع بأغلبية مطلقة في المجلس، وبما يجعل وجود مرشح منافس للرئيس مبارك مستحيلة، وكذلك كان ذلك التعديل بمثابة التحضير لتوريث السلطة لجمال مبارك.

ومع الرئيس السيسي الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي عقب مظاهرات طالبت برحيله، وأنقذ مصر من حكم جماعة الإخوان، وبعد أن طالبه الشعب بالترشح وتم انتخابه رئيسا لمدة أربع سنوات بتأييد شعبي واسع، نجد من يطالب الآن بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، ومن ينادي بتعديل الدستور، ومن قام بتشكيل ائتلاف دعم مصر داخل البرلمان يكون ظهيرا للرئيس، في حين أن الرئيس السيسي لم يطلب أو يشير إلى أي صلاحيات إضافية ويعمل بكامل طاقته حاملا هموم مصر منحازا لمحدودي الدخل، لذا أربأ بالرئيس من الوقوع في فخ غواية الكرسي والتمسك بالسٌلطة، ومن الغرور الذي يصيب الحكام.

الطاغية لا يولد طاغية، كل الطغاة يولدون طبيعيين، فدائما نلاحظ أن الرئيس المصري في بداية حكمه أو خلال فترة رئاسته الأولى يعمل للصالح العام منحازا للفقراء مدافعا عن حقوق الشعب، ثم يتحول تدريجيا مع النفاق السياسي والإعلامي والاستسلام الشعبي إلى ديكتاتور أو طاغية، ولكي يحافظ على السلطة يقوم باتخاذ كافة الإجراءات التي تكفل له ذلك من خلال مؤسسات الدولة، ودائما ننعت الرئيس بالزعيم والملهم والمؤمن والحكيم ونبالغ في قدراته ومواقفه، متجاهلين أن الرئيس إنسان مثل أي إنسان يضعف ويتأثر بما يحيط به من أحداث.

المشكلة ليست في الرئيس، المشكلة فينا نحن، إن الشعب الذي يتنازل عن حقوقه، أو الشعب الذي يعطل عقله ويترك النخب تفكر له هو الذي يصنع الطغاة، فالمجتمعات المتقدمة والواعية التي تمارس حقوقها السياسية والدستورية لا تنتج طغاة، لذا يجب أن نتغير إذا كنا نريد اللحاق بركب الدول المتحضرة، يجب أن نؤمن بأن الرئيس مواطن مصري يعمل موظفا لخدمة ومصالح المواطنين، وأنه خاضع للرقابة والحساب إذا اخطأ، وأن كل مؤسسة في الدولة لها مهام ودور لا يمكن الاستغناء عنه، حينئذ نكون قد تخلصنا من إرث قدماء المصريين، وتتوقف صناعة الطواغيت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top