مي فرج تكتب: تحرش جماعي

\”تحرش جماعي\”.. هو أكثر الأوصاف إفزاعا وتأثيرا في نفوس المتلقين لأي خبر أو حادثة تحرش,  تلك التي تعكر صفو أفراح الأعياد والمناسبات الوطنية , لكن تعريفه القانوني والعلمي، هو قيام مجموعة من الذكور بالتحرش أو الاعتداء الجنسي سواء باللفظ أو الفعل على أنثى او مجموعة من الإناث.

لكننا اليوم لا نقف أمام فزعة بل فاجعة.. قد يكون أساسها \”مجرد\” قيام شخص واحد بالتحرش لفظا بفتاة في مكان عام يرتاده الطبيعيون من البشر وهو مجمع تجاري عادي, أي مكان تجمع مختلف الفئات الاجتماعية و\”المادية\” والأخلاقية أيضا بانعزال كل عن الآخر..  بالرغم من عدم منطقية انغماسنا في غفوة عدم الاندهاش من مثل هذا الفعل, إلا أن 50% ممن تلقوا الخبر اهتموا بحق الفتاة بعد رؤيتهم لرد فعل المتحرش المعتدي نتيجة لرفض الفتاة لتصرفه، فلم يخجل- فهو أمر مقيت لرجولته التي تجلت في اتخاذه خطوة التحرش نفسها- ولم يسر بقدميه مسرعا أو حتى مبطئا بعيدا عن الفتاة حقنا لأي \”لبش\” قد يلحقه, ولكنه ظل صامدا كالبغل وصفعها…!!!!! لماذا؟

هل تحرشت به؟ لا.

هل طلبت منه ما هو مناف للآداب (بالرغم من أنه هو من طلب هذا منها بداية) فخدشت حياءه؟ لا..
أومال إيه؟

من منطقه يرى أنه قدم أقل أنواع الخدمات \”التحرشية\”، وهو التحرش لفظيا, فكان من المفترض أن ترفض الفتاة هذا التحرش بأدب!

هل وضعنا كلمة تحرش وأدب في جملة واحدة؟!

وما العجيب؟ فتخيل معي قيام أنثى رافضة للتحرش بتبرير التحرش! والتحرش الموجه للإناث، بل لم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد قامت ذات الأنثى بتبرير ذلك تحت بند: \”هو مفيش بنات بتعاكس ولاد في الشارع؟\”، وسبق ذلك افتتاحية برنامجها لجذب المشاهد قبل رفع ضغطه معنونة مقدمتها: \”لموا بناتكوا.. مش هيحصلهم حاجة\”

إذا الفاجعة تكمن في قيام أنثى بمهاجمة ظاهرة التحرش بالذكور متجاهلة تماما فاجعة أكبر – وهي أساس حلقتها إن كان هناك خطة إعداد برنامج حقيقي- وهي ظاهرة بل كارثة التحرش بالإناث.

لا يوجد بشر على وجه البسيطة يقبل التحرش أو الاعتداء على حرية أو سلامة أي إنسان سواء النفسية أو الجسدية, ذكرا كان أم أنثى!

لكن المبرر الوحيد لمثل هذا السرد الذي قامت به الإعلامية قد يكون أساس تلك الواقعة حقائق أخرى غير تلك التي شاهدها الجميع بعينه وسمعها بأذنه!

لم تقف الفاجعة عند هذا الحد، بل أخذت في التورم ووصلت حد التضخم، عندما بررت الإعلامية وجهة نظرها \”بأدلة مادية\” تثبت أن هذه الفتاة \”تستاهل التحرش\”.. علينا أن نتجاهل هذا اللفظ غير العقلاني وغير المنطقي لوهلة، حتى يتسنى لنا الاطلاع على هذا الدليل! فهو عبارة عن صور شخصية للفتاة على شاطئ البحر.. ليست نقطة نقاشنا هي كيفية حصول الإعلامية على هذه الصور سواء عن طريق التحايل وأخذ الهاتف الخاص بالفتاة بحجة وضعه في الشاحن ليتمكن الإعداد من أخذ هذه الصور, أو حتى أن تلك الصور وصلت إليها عن طريق ما, ولا يهمنا أو يعترينا حرص أن تكون تلك الإعلامية قد حجبت بعضا من أجزاء تلك الصور عند عرضها على الشاشة!

سيدتي الإعلامية.. توقفي عن مثل هذا الحديث, فمجرد عرض تلك الصور يضعك تحت طائلة القانون!

فسؤالنا: إن جاءت لك تلك الصور بطريقة شرعية وعلى طبق من ذهب.. ما سبب عرضها أصلا؟!!!!!

أساس حلقتك هو الحديث أو- كما اعتدت- تحليل خبر حادثة ما, وليس دورك البحث عن تاريخ كل طرف في الحادثة, وإن كان هدفك هو عرض \”الجانب الآخر من الحقيقة\” بمفهوم أدهم صبري، فيجب أن يكون ذلك مبنيا على أدلة, وما قدمتيه ليس بدليل.. بل اعتداء على حريات شخصية, وتحول الأمر من نية عرض الحقيقة -وهي نية يشكك فيها الكثيرون- إلى محاولة لعرض وجهة نظر مختلة – وهو أمر مرفوض، نظرا لأننا بصدد واقعة لا تحتمل التفلسف- انتهاء بالنية الأوضح على مدار التاريخ، وهي الوصول إلى \”حلقة سخنة\”، حتى فلت عيار الأمر منك إلى أن وصل الارتجال بالحديث إلى مرحلة تبرير التحرش، بجملة \”لموا بناتكم\”…!

إليك المفاجأة.. التحرش جريمة و ليس رد فعل, فالقاتل يستحق القتل, السارق يستحق السجن, المتجاهل لإشارة المرور يستحق دفع الغرامة أو الحبس.. أما المتحرش بها (أي الفتاة) فماذا تستحق؟

تستحق الاحترام –تحديدا- إن قررت أن تمنع الاعتداء عليها كبشر برد فعل لحظي مساو للاعتداء وليس مجافيا له (اللفظ بالرفض), تستحق الدعم, ولكن الفتاة في الواقعة هذه ليست بحاجة لأي منا، فهي قاومت ودافعت وهاجمت حفظا لحقها.

اتوقع سؤالك: وإنتوا محموقين قوي ليه كده؟! كل ده عشان عرضت صورة لواحدة على البحر.. يعني ناس كتير شافوها؟

أولا: عرضك للصور كان الغرض منه أن إظهار أنها فتاة \”مش مظبوطة\”، وده تشهير.

ثانيا: مقدمتك عن \”لموا بناتكوا\” والاستناد إلى تلك الصور يعني أن الفتاة تستحق التحرش.. إذا التحرش مبرر, بدون أن تلفظيها، فأنت بررت أو جعلت من للتحرش منطقاً.

ثالثا: عرضك لنفس الصور تحديدا، مع التشويش عليها، يعني أن ارتداء المايوه مناف للأخلاق (بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معك في هذا الرأي)، لكنك هنا تناقضين نفسك التي دوما تأخذ من حلقاتها حصصا مدرسية لتعلم الجمهور كيفية احترام حرية الغير, تحديدا عند سفرك لدول أجنبية وتعليقك على أن \”كل واحد في حاله\” وأن مفيش واحد بيبص حتى لواحدة بسبب لبسها أو غيره.. وهذه الحلقات كانت تعرض على نفس القناة الفضائية بالمناسبة.

لن أتحدث من الناحية القانونية، لأن العدد المحترم من المحامين المتطوعين لإيقاف برنامجك وحماية حق هذه الفتاة كاف وواف للرد على كل تصرف صدر.

وبالمناسبة.. الغضب الذي أصاب الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي -أقترح أن تقومي بالاطلاع عليه عن كثب- ستجدين أن نوبة الغضب الكبرى صادرة من الإناث, فكل فتاة أو امرأة منا شعرت بالخزي والعار والتدني والاعتداء والقسوة والتراجع والانتهاك، وفي نفس اللحظة شعرنا بطاقة غضب عارمة للهجوم، وبحزم لإنهاء مثل هذا الاعتداء.

قد تتساءلين: وليه مازعلتوش قوي لما سمعتوا خبر التحرش؟

ومين قالك مازعلناش؟ ومين قالك إن مش أول فكرة جاتلنا هي أننا وارد نكون في مكانها في أي يوم وبسهولة؟

اللي استفزنا أن الموضوع زاد وأصبح طبيعيا لدرجة أن أنثى بتبرره.. وبتهاجم الأنثى! الموضوع بقى سلسا لدرجة أن أي تاء مربوطة عرضة وبسلاسة لهذا التحرش، لكن بعد تلك \”الفاجعة\” فسنكون عرضة أسهل وأسهل للمزيد من التحرش تحت بند \”شهد شاهد من أهلها\”!

فاجعتنا وغضبنا العارم هو من انضمام أنثى من صفوف الدفاع والحق إلى صفوف الهجوم والتبرير. لنصبح نحن في كرسي الاتهام بلا منطق.. الفاجعة تكمن في أننا كفتيات ونساء تعرضنا معنويا إلى تحرش جماعي!

أما المتحرش ذاته.. مبروك, فبدأتها بتحرش فردي لتحقق بلا أي مجهود score \”تحرش جماعي\”!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top