المصريون أفارقة قبل أن يكونوا أي شيء آخر.. لونهم الأصلي هو الأسود الذي تحول تدريجيا إلى \”الأسمر\” بعد انتقالهم إلى الشمال حيث الزراعة والمياه والشمس الأقل حدة، وأصل كلمة \”قبط\” أو \”جبت\” أو \”ايجبت\” هو لون الطين الأسود الذي ميز أرضهم عن كل البلاد المحيطة.
مع ذلك، فمن أغرب الأشياء التي تواجه المتأمل للثقافة الشعبية والنخبوية للمصريين هو عنصريتهم المبالغ فيها ضد السود، واللون الأسود عموما.
هذا الاستعلاء على الأسود، البربري، كما يطلق عليه العامة، دخل مصر بلا شك مع أسراب الجنود العبيد الذين احتلوا مصر وحكموا شعبها لأكثر من ألفي عام، من إغريق وعرب وأتراك وفرنسيين وإنجليز، وقد ترك الأتراك والمماليك، بوجه خاص، تراثا ثقيلا من الأمراض الاجتماعية منها العنصرية ضد كل ما هو \”قبطي\”، مصري، أسود.
في علم النفس الاجتماعي تعرف هذه الظاهرة بـتبني الخاضع للاستعمار والاستعباد لخطاب المستعمر العنصري، ويحدث بسبب التعرض للمهانة والعبودية أن يكره المرء نفسه، ولون جلده، ويصبح هو نفسه عنصريا ضد كل ما يذكره بأصوله.
للأسف لم أطلع أو أعلم بوجود أي بحث متخصص في رصد هذه العنصرية، ولكن من السهل على أي شخص يتأمل الثقافة الشعبية، من حكايات ونكات ومسرحيات وأفلام ووسائل إعلام، وقبل ذلك اللغة والسلوكيات السائدة لدى معظم المصريين والتي يكتسبونها منذ الطفولة، من السهل أن يلحظ قدر العنصرية ضد السود الذي تحتويه هذه الثقافة المعتلة. ومن أسوأ المشاهد التي يمكن أن تراها في العالم كله هو ردود فعل المصريين، صغارا وكبارا، عندما يمر بعض الأفارقة في الشارع، أو يجلسون في أحد الأماكن العامة ويتحدثون فيما بينهم، لدرجة أن المرء يتمنى أحيانا لو كان بمقدوره أن يعاقب هؤلاء بما يستحقونه من معاملة.
كان يفترض – كما نجد في صناعات الإعلام والسينما الكبرى في أمريكا أو الهند مثلا – أن يعمل القائمون على هذه الصناعة على محاربة الأفكار الشعبية \”الضارة\”، وأن يساهموا في إصلاح وعلاج هذا الضرر وتقديم ثقافة بديلة تنبذ العنصرية وكراهية الآخر وتتبنى خطاب المساواة والعيش المشترك، لكن المتتبع للسينما المصرية القديمة والحديثة سوف يدهشه قدر التحامل والسخف العنصري الذي تموج به هذه الأفلام، وهو ما يحتاج إلى مجلد كامل لحصره وتحليله.. يمكن أن نشير فقط إلى غياب المذيعات والمذيعين والنجوم السود في التليفزيون والسينما، ويمكن أن نشير إلى الظروف الاستثنائية التي احتضنت فيها مصر أصولها السوداء، كما في حالة محمود ياسين وأحمد زكي، مع التأكيد أيضا على أن كل منهما ليس \”أفريقيا\” خالصا، سواء في درجة اللون أو الملامح.
في حالتي القاعدة العنصرية والاستثناء سوف نجد أن صناعة الإعلام والسينما تتحرك بشكل عشوائي غير مقصود، وأن هذه الصناعة تخلو من عقل يفكر ويضع السياسات والاستراتيجيات طويلة وقصيرة الأمد، وأنها تسير في ذيل الطابور وراء آخر مواطن بدلا من أن تتقدم الموكب.