هذه ليست المرة الأولى التي ارحل فيها عن عمل، حدث وسوف يحدث. لكن هذه هي المرة الأولى التي ارغب واصمم وبشدة في أن أروي فيها شيئا من القصة.. شئ من الخلفيات والأسباب.. بالدقة \”شئ\” فما عندي لأرويه بخصوص تجربة \”كسرة\” لا يكفيه نص واحد، كما أن \”كله بأوانه\”، أو كما يقول العُرفاء.. \”ليس كل ما يُعرف يُقال، وليس كل ما يُقال حان وقته، وليس كل ما حان وقته حضر أهله\”.
بُنيت \”كسرة\” –حرفيا- على أسامة الشاذلي وفريق محرريه المصري، الذي أصفه بالفريق المؤسس، والذي كنت واحدا منه. مرت علينا أيام وأسابيع وشهور كان النفر منا يُترجم ويكتب في اليومِ الواحد من 15 إلى 20 موضوع (لي وحدي 1150 موضوع على الموقع فيما يقرُب من عامٍ وخمسة أشهر) بخلاف ما هو موجود في أرشيفي ولم يُنشر بعد.
عندي صديق مصري صحفي مهني مُتميز يعمل في مؤسسة الـ BBC العريقة، أخبرني وهو مُندهش أن تلك معدلات عمل لا تٌوجد تقريبا في أي مؤسسة في العالم.
بالمُناسبة.. هذا الفريق \”المؤسس\” كان مكوناً من 3 أفراد فقط.. تم تطعيم الفريق المؤسس بمُحررٍ جديد، صرنا 4 بالإضافة لأسامة، وجاء من هُم في الدوحة في فبراير الفائت لمُقابلتنا –ظاهرياً- من أجل تدريبنا على آلية عمل جديدة، وفعليا من أجل تحويلنا لموظفين نقول حاضر ونعم وتحت أمرك، أو على طريقة أحمد راتب في فيلم \”الإرهابي\”: \”لا تُجادل ولا تُتناقش يا أخ علي\”.. نحن نُجادل ونُناقش، نحن موهوبون نشعر بذلك ونعتز، نحن أصحاب فضل كبير -إن لم يكن الأكبر- في رفع قواعد البيت الذي ضم عائلة كسرة، نحن نعلم خبايا وروح الثقافة المصرية والعربية لأننا من الشارع وإليه نعود، ولأننا أصحاب خبرات مختلفة في العمل بالصحافة الورقية والإلكترونية والتلفزيونية، ولأننا -وهذا الأهم- نعرف الكتابة والقراءة باللغة العربية وبالعامية المصرية.
السبب الأخير يبدو غريبا لك أنه الأهم: صح؟! طيب دعني أحكي لك هذه المأساة الطريفة.. في إحدى اجتماعاتنا معهم في فبراير الماضي كما ذكرت، كنا نتحدث حول موضوع ما كمثل يضرب لنا، كان بطل الموضوع الأستاذ الكبير المرحوم محمود عوض، وكان الشارح الموضح السيد المدير التنفيذي لكسرة، الكلمة مكتوبة أمامه محمود عوض قرأها 9 مرات -وأنا كنت أعد في سري- محمد عوض! طب سيبك من كونه لا يعرف الفرق في تهجئة لغة الضاد بين محمود ومحمد، المهم والملفت أيضا أنه لا يعرف الفرق بين الصحفي الرائد محمود عوض وبين الممثل الكوميدي المصري محمد عوض!
المهم وبدون إطالة.. اتخذ القرار بتصفية الفريق المؤسس الذي يُطلقون عليه هم الآن \”القديم\” منذ فبراير، نحن لسنا \”عبط\”، تكفينا الإيماءة والإشارة لا التصريح، كنا ننتظر ونتفرج: كيف سيتم الأمر؟! هل سيتم بشياكة أم بفجاجة؟ وها قد جاء الدور عليّ.
نشرت منذ فترة قريبة جدا مقالا في كسرة بعنوان: \”رسائل لم يكتبها جورج كلوني لزميله نبيل الحلفاوي\”.. رد عليه الأستاذ نبيل -كما بلغني- في 8 تغريدات على حسابه الرسمى على موقع تويتر، فظنوا أنها الفرصة المُناسبة السانحة \”التلكيكة المُناسبة\”.
في الأول أحيطكم علما أن الأستاذ نبيل كان مُرحبا بنشر مقال يرد فيه على مقالي، بل وعرض حتى أن تنشر تغريداته الثماني كردٍ إن كان هذا مُناسبا لكسرة.. الأستاذ نبيل رجل مُحترم، وبالتالي لن يعرض ردا إلا على مقال يرى فيه وبوضوح شكل من أشكال الحوار المُتحضر والبناء، بل الأكثر من ذلك أن الأستاذ نبيل كان يوجه إليّ في تغريداته الحديث -كما نُقل لي- بشكل شخصي.. يعني كان يقول يا محمد ثم يكتب رده الذي يريد، ولم يكن يقول يا كسرة: معلش أنا أعرف أن هذا الموضوع مُمكن يوجع، لكنه برضه لا يصلح \”تلكيكة\”.
هممت بالردِ على الأستاذ، وبالفعلِ جهزت بعض التغريدات تليق بالمكتوبِ والمردود به، وقُلت الصباح رباح: غدا اتحاور معه.. جاء الغد واكتشفت أن مجلس آلهة الأوليمب في الدوحة اجتمع بدوني -أنا كاتب المقال- وقرر أن الموضوع مُخالف للسياسة التحريرية للموقع، وقام بحذفه -والشهادة لله هذا حقهم- بل واعتذروا للأستاذ نبيل بتغريدة نُقل لي والعهدة على الرواة أنه لم يرد عليها، أو حصلت من إبهامه على \”فيڤوريت\”.
آه.. اود أن أذكر قبل الاسترسال أن من ضمن ما اعتبروه مخالفا لسياستهم التحريرية، أن المقال كان به لغة تهكمية، اعتبروا ما لم يعتبره أو يراه الأستاذ نبيل نفسه، فضلا على أن معرفتهم باللغة العربية عميقة لدرجة تجعلهم خبراء في أساليبها -السيدة مديرة العمليات التي كانت ترأس الإجتماع أمريكية من أصل كوري- كما أن معرفتهم بي عميقة لدرجة الاستبصار بنيتي الحقيقية فيما يُحتمل تأويله داخل متن المقال.
نقطة إضافية قبل الاسترسال من جديد، في \”كسرة\” واحدة من أعقد عمليات النشر في الدنيا، يقرأ المقال بعدي 3 أفراد لتفنيد كل ما فيه قبل جدولته ونشره من أول السياسة التحريرية وحتى النقطة والفاصلة وعلامة التعجب.. أي أن لو في الأمر خطأ حقيقيا غير مفتعل، لكان الأولى توجيه اللوم لآخرين، وليس لي أنا على الإطلاق.
دعيت لاجتماع مع مديرة العمليات يوم الخميس قبل الفائت، اعتذرت لسبب شخصي وإنساني كانت تعلمه -هي- من قبل إخبارها به.. عقد اجتماع آخر في يوم الخميس الفائت بالدوحة لمناقشة أداء محمد الوزيري دون حضور محمد الوزيري مرة أخرى، أود أن ألفت النظر لنقطة محورية ذكرها السيد المدير التنفيذي للعزيز أسامة الشاذلي، أنه لا يوجد رفت \”فصل\” بسبب الأداء في \”كسرة\”. جلس لتقييمي عدة أنفار منهم الثلاثة الذين قرأوا موضوع نبيل الحلفاوي وجدولوه ونشروه: واضح أن الواقع لم يفشخ الخيال في مصر وحدها!
بعد حذف المقال من \”كسرة\”، نشرته في موقع زائد18 في الحد الأدنى احتراما للثماني تغريدات المعلقة في الهواء دون مقال ترد عليه، وبسبب أني أحب المقال بشكل شخصي، ولم أكن أود أن يظل محذوفا.. حرصت أثناء النشر أن لا أكتب الجملة المعروفة \”بعد حذفه من كسرة نعيد نشره في زائد18\” احتراما لواجبي المهني تجاه نفسي أولا وتجاه موقع شاركت في بنائه من الصفر وعندي ضعف عاطفي خاص تجاهه، كما أن الزميلة الرائعة دعاء سلطان، لم تطلب مني ذلك تقديرا منها لموقفي ولأنها أيضا صحفية مهنية.
خلص الاجتماع بعد تفاصيل قد اضطر لذكرها في مقالات أخرى، إلى الآتي: سيتم التحقيق معي لاستبصار نيتي من جديد في فعلتي المشينة بنشر المقال في مكان آخر -خلي بالك المسألة خرجت من إطار الأداء والتقييم والسياسة التحريرية والمهنية، ودخلت حسب تفكيرهم في إطار فعلا يذكرني بالأفلام الأبيض وأسود: أنت مين علشان تتجرأ وتتحدانا يا ولد- وإذا كنت أرسلته بنية سيئة وطوية خبيثة سيتم فصلي، وإذا كنت قد أرسلته لجهل مني وقصور فيما هو المفروض واللامفروض داخل \”كسرة\”، فسيتم منحي فرصتين: الأولى أن أستقيل، الثانية أن أعمل تحت ملاحظة شخص آخر غير مديري المصري وبعد تقييم أدائي، يجتمع مجلس آلهة الأوليمب من جديد لتحديد مصيري.
طب وعلى إيه كل ده: ببساطة وبدون تحقيق وعلى الملأ.. أنا استقيل من \”كسرة\”.. استقيل وأنا أحمل في نفسي أثرا سلبيا كريها لم يحصل أن شعرت به عند إنهاء علاقتي المهنية بأي مكان عملت فيه من قبل، واحتفظ لنفسي بخطوات متدرجة ومدروسة داخل مصر وخارجها، حتى أرضى ويزول عني كل ضرر معنوي ومادي لحق بي نتيجة هذا التعسف وانعدام المهنية.
ملحوظة: احب شهر فبراير الفائت جدا، لأن في 27 منه صورت أول فيلم روائي قصير ليّ.