نائل الطوخي يكتب: العسكري رضا وقصص أخرى

 

 

في أحد استدعاءاتي للجيش كنت قد أصبحت شابا تقدميا بريئا. وصادقت شلة من العساكر المسيحيين من نفس دفعة الاستدعاء، على اعتبار أن المسيحيين هم الأكثر تقدمية بين المصريين.. ساعدني اسمي الغريب على الاندماج مع أصدقائي المسيحيين، لدرجة أن كريم موريس سألني مرة: \”هه يا نائل.. كلمنا بقى عن الرب يسوع؟\” فضحك يونان، وكنت أعرفه من أيام الخدمة الأساسية وقال لمن سألني: \”دا مسلم يا جدعان يخرب بيتكم هتفضحونا\”.

كريم موريس كان مسيحيا قاهريا دبلوم صنايع، فهلوي ومدردح ويشبه \”حكيم\”.

فقد كريم موبايله ذات يوم وقررنا، نحن أبناء الاستدعاء الواحد، أن نلم له مالا ليشتري آخر، حتى أفتى حسني – مسلم دقهلاوي نظيف ومعتن بنفسه ويحلق ذقنه بالفتلة – بأنه لا يصح أن نجمع مالا للمسيحي، وأن المسلم أولى. وذهبت إلى يونان – مسيحي متعلم وطبقة وسطى، بكرش صغير ونظارة ويضع \”السترة\” داخل البنطلون – وأخبرته بهذا، فلوى شفتيه وقال: \”الواحد مش مصدق إن يكون فيه التخلف دا لسة عند البشر\”.

ولكن كان هناك العسكري سامح كروس، وكان على غير ما يدل اسمه، مسلما شديد الورع.. نحيلا مثل الإبرة وكل حكاياته عن المخدرات والخناقات والمطاوي داخل مصر القديمة.. كان جدالنا طوال فترة الاستدعاء هو حول: \”متى ينتهي من الاستدعاء\”، ولكن كروس عاد ذات مرة وهو في حالة وجد روحاني، وأخبرنا إنه التقى بضابط في الوحدة شديد التقوى لدرجة أنه أحسن كأنه في حضرة نبي، وسأله عسكري آخر: \”وقالك هنخلص استدعا امتى؟\”، فشخر له سامح وقال: \”يا ابن المتناكة بقولك قابلت نبي وانت تقولي استدعا؟\”

سامح كان زعيما سياسيا أيضا.. قاد حربا ليمنع المسيحيين من دخول حمام الجامع الذي لم يكن هناك غيره في هذا المربع، وسمعته يخبط على يونان طويلا وهو في الحمام ويقول له بصوت جهوري: \”ولا يا يونان.. لو شفتك هنا تاني مرة هانيكك\”.

وكان هناك العسكري رضا.. مسيحي من المنيا، وكان نائما طوال الوقت ووجهه لا يخرج من تحت البطانية وكانت لديه قدرة هائلة على الاستهبال وادعاء النوم في أي وقت لا يعجبه الكلام.. عندما عرف رضا أنني صحفي، ولم أك قد تعينت بعد، غمز لي وقال: \”تلاقيك بتتجسس علينا عشان تكتب مقالة\”، وعندما تذاكيت وسألته: \”من هم؟\” قال: \”إحنا النصارى يا عم\”.

وفي أحد صباحات الجمعة سألني حسني، الذي كان حريصا على إعادتي للإسلام، إن كنت سأذهب معهم للجامع لنصلي الجمعة سويا، قلت له إنني سأذهب ولكن بعده، وذهب ليصلي وأنا بقيت نائما على النمرة التي تجاور رضا، وعاد حسني ليخبرني أنه لم يرني أصلي معهم، فقلت له إنني ذهبت قبل بداية الصلاة وخرجت فور نهايتها. أما العسكري رضا فقد أخرج رأسه من تحت البطانية أخيرا وقال له: \”يا عم أهو قاعد ماتحركش أهو ولا راح ولا صلى ولا هيشوف جنة\”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top