حسام الخولي يكتب: The Walk.. من بطولة الشغف والجنون

بعد أن تشاهد The Walk ستتمني أن يبتليك الله بهذا القدر من الحماس تجاه أي شيء في الدنيا, لأنك ستنجح أيا كان هذا الشيء وأيا كانت درجة صعوبته.

من إخراج العظيم Robert Zemeckis يأتي هذا الفيلم المفاجئ.. وهو مفاجئ بالفعل على أكثر من مستوى.. منها أن قصة بهذه الجاذبية لم تثر شهية المخرجين لعرضها على الشاشة الكبيرة على مدار ما يقرب من أربعين عاما.. رغم أنها شهدت اقتباسات عدة في أفلام وثائقية منهاMan on Wire الذي حصل على أوسكار لأحسن فيلم وثائقي 2008 وكتب، وحتى فيلم تحريك قصير سنة 2005 The Man who walked between two towers.. لكن استغرق الأمر سنين عدة ليخرج إلينا فيلما بهذه القوة عن قصة لا تقل ابهارا ولا إثارة للإعجاب.

يسرد الفيلم قصة فنان الأكروبات الفرنسي \”فيلب بوتيه\” الذي قام عام 1974 بالسير على كابل معدني مشدود لمسافة 61 مترا ما بين برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك, وقتها كان البرجين هما أعلى مباني العالم ارتفاعا (417 متر).. العملية التي سماها \”الإنقلاب\” و\”أكبر جريمة فنية في القرن العشرين\”، قام بها بشكل سري وغير قانوني، حيث لم يحصل على أي تصريح من المسؤولين في المدينة أو إدارة الأبراج، وقام بتهريب معدات يبلغ وزنها ما يقرب من ربع طن بمعاونة فريق صغير من الأصدقاء الفرنسيين والأمريكان الذين أقنعهم بمشاركته.

الفيلم -في رأيي- مبهر على مستويين رئيسيين, الأول بطبيعة الحال وهو نقطة الجذب الرئيسية هي عملية السير على الكابل في حد ذاتها.. على ارتفاع أقل قليلا من نصف كيلو متر عن الأرض, وبلا أي حزام متصل بالكابل أو شبكة أمان.. وإدراك المشاهد أن ما يراه حدث بالفعل على أرض الواقع في يوم ما وليس من خيال المؤلف وتصور المخرج.. إلى جانب براعة Zemeckis في استغلال زوايا التصوير الرأسية من أعلى البرجين وأسفلهما والمؤثرات المكملة لتأثير الرياح والأصوات التي ستصيب من يعاني منا رهاب المرتفعات بحالة قشعريرة مضاعفة.. هذا هو الحدث الأساسي الذي دخلت دار العرض من أجله بعد أن شاهدت التريللر أو سمعت عن الفيلم عموما.. لكن الجانب الأكثر روعة في رأيي هو تصوير الرحلة التي قطعها ذلك الرجل الفرنسي متقد الحماس من أجل أن يصل إلى هذه النقطة.. الرحلة على مستوى الرغبة والإصرار الذي لا يلين على تأدية وممارسة ما يحبه فقط، بغض النظر عن رأي أي كان في مجتمعه وحياته, وبغض النظر عن ما إذا كان هذا المجال سيوفر له حياة مريحة أم لا.

هذا الحب والشغف الذي يفتقده كثير منا.. وهذا الذوبان التام في الهدف الذي تعيش من أجله، الذي يجعلك لا تلتفت إلى العواقب أو المخاطر.. ينجح بطل الفيلم الشاب Joseph Gordon في تصويره بذكاء وخفة دم، بدون أن يسقط في مبالغة أو ميلودرامية.. أعجبني أيضا بشدة الإصرار على تسمية هذا النشاط الأكروباتي الذي يقوم به البطل في الفيلم بـ \”الفن\” وعلى أنه \” فنان\” وليس \”لاعبا أو مؤديا\”، فالكثير منا ينظرون إلى فنون الشارع على أنها فقرات ترفيهية تقدم من أجل الإبهار والاستجداء من المارة.. ربما كان الوضع كذلك لدينا هنا على ندرتها, لكن لا يقل مؤدوها فنا ولا إبداعا عن غيرهم من الرسامين والنحاتين والشعراء، بل ربما يزيدون عليهم كون أن فنهم حي يتنفس وسط الناس على الأرض ويثير فيهم انفعالات ومشاعر ربما تعجز أطياف الفنون الأخرى عن إثارتها.

الفيلم كما هو من بطولة ممثلين كبار وإخراج مخرج عملاق, هو أيضا من بطولة أفكار إنسانية عظيمة يجب أن توحي بما هو أكثر من مجرد وقت مشاهدة ممتع لمن يجلس في صالة العرض, وبالذات صغار السن الذين ادعو أن يحاول كل منهم إيجاد مصدر وهدف لمثل هذا الحماس والإخلاص للفكرة، الذي تمتع به بطله, لأن هذا الأمر من أهم أسباب النجاح الحقيقي والإحساس بالرضا عن الذات في حياتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top