رمضان جاب الله يكتب: شباب الأحزاب

\”الشعب المصري غير جاهز للديموقراطية\”.. قيلت هذه الجملة في أكثر من مناسبة بعد ثورة يناير، ترافقها جملة أخرى وهي:

\”ليس لدينا أحزاب ناضجة بالمعنى المفهوم للاحزاب في مصر\”

والجملتين صحيحتين، لكنهما بالطبع كلمتا حق يراد بهما باطل، واقتطاع للكلام من سياقه، تماما كما أقول لك إن الله يخاطب المسلمين في القرآن قائلا: \”ولا تقربوا الصلاة\” هذه آية موجودة بالقرآن بالفعل، لكن من يقولها دون تتمة يضرب المعنى تماما، بل يذهب لعكسه.. فبقية الآية \”وأنتم سكارى\”، وهكذا يكتمل الفهم.

تخيل شخصا يصيب شخصا آخر في قدمه ظلما، ثم يسرق منه شيئا ويجري منه، فيجري خلفه المصاب في قدمه يعرج عليها، فيسخر منه السارق الذي يجري أمامه قائلا:

\”إنه غير جاهز للجري\”.

تخيل أيضا شخصا يهدم منزل شخص آخر ظلما، ويحطم أثاثه وهو غائب عن منزله، وحين يعود الشخص لمسكنه حاملا قطعة آثاث فرحا بها ليضعها في منزله، فيجد الشخص الذي حطم بيته يراقبه ساخرا من منظره أمام البيت المتهدم قائلا:

\”ليس لديه بيت بالمعني المفهوم للبيوت ليضع به أثاثا\”

اقصد صراحة أن الحكم في مصر، خصوصا بعد يوليو1952 قد أجهض الحياة الحزبية متعمدا.. طبعا لمصلحة الحاكم الواحد والحكم الشمولي، حتى إنه جرد أحزابا من صفتها الحزبية التي نشأت عليها كأحزاب يسارية تصبح عبارة عن دكاكين تنتظر دعم الدولة المادي ولا تتطرق لفكرتها الأصلية التي ينبع منها فكرها وهي الجماهير ووعيها ومشاركتها.

طبعا وأحزاب يمينية وإسلامية الطابع ذهبت إلى الولاء الشديد للنظام الحاكم أكثر من أفكارها أيضا التي بنيت عليها.. هذا بالطبع غير القمع ووسائل تحريم العمل السياسي الحزبي وغيره، التي لا يتحملها أي مواطن عادي.. همه قوته وقوت أولاده وسلامته وسلامتهم.. الحقوق الطبيعية لأي مواطن بحسب أي دستور كتب في مصر.والتي لا تعطيها السلطة إلا لمؤيديها، وتستخدم الحرمان من الحقوق الأساسية حتى حق الحياة.. تستخدمهم لقمع معارضيها.

وبالطبع لن يكون شعب حياته الحزبية والسياسية مطاردة لأكثر من ستين عاما جاهزا لأي شئ، فمثلا ماذا كان أمام الشباب في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وكل الحقب حتى يناير؟ ماذا كان أمامه ليشارك برأيه في الحياة السياسية والحياة العامة عموما.. ماذا كان أمامه ولو قال رأيه في الجامعة أو في مصنعه أو في الشارع، لذهب وراء الشمس بالتعبير المعروف في مصر.

الآن وقد تطور هذا الأمر في مصر والبلاد العربية، التي لا هم للحاكم فيها إلا البقاء على كرسيه، ولو ذهب الشعب كله للجحيم فداء لذلك، وقد تطور الأمر إلى ثورة يناير، ودخل الشعب كله مجال السياسة، بعد أن كان بعيدا عنها فترة طويلة جدا، وأجيال متتالية منها من يشكل الآن عبئا على فكرة الديموقراطية بترديده ما لقنته إياه السلطات لعقود، ولمشاهدته تراجع ثورة يناير، وبالتالي رسوخ عقيدة الخوف لديه.. معلنا أن \”مفيش فايدة\” بحسب مقولة سعد زغلول، التي قالها بالمناسبة يقصد أن لا فائدة من تعاطي الدواء في مراحل مرضه الأخيرة، ولا يقصد حالة مصر السياسية.

شباب يناير على وجه التحديد مغموسون رغم أنفهم في هذه المعادلة، فعلى عكس قلة شاركت في الحراك من أيام مبارك وعلى فترات من قبله.. معظم شباب يناير بعد الثورة بدأوا العمل السياسي بالثورة، وحلموا بواقع أفضل.. بالطبع لم ينالوه سريعا بسبب الوضع السياسي المعقد.

مرحلة ما بعد الثورة وما تم بها من إحباط لعدم تحقيق الأهداف المباشرة سريعا، جعلت بعض الشباب المتحيز لها يسلك طرقا مختلفة، فمنهم من اعتقل أو قتل بالطبع، ومنهم من يأس وترك المجال السياسي كله، ومنهم من –وللأسف- تبنى أفكارا ضد الثورة نفسها، ومنهم من أكمل المشوار وانضم إلى أحزاب سياسية، بطول أمل وبإصرار ضد القمع والظلم، ومن خلال المنفذ الوحيد الباقي المطل على الحياة السياسية في مصر، ولو كان بشروط النظام الحاكم، التي لا تعرف معارضة ولا تعرف غير الرأي الواحد.

في ظل هذا الأمر، أصبح عبئا على هؤلاء الشباب المنضمين للأحزاب مواصلة النضال على مبادئ الثورة، لكن في ظل تنظيمات سياسية مقننة ولا تستطيع جدليا القيام بثورة، إذ المفروض أنها جزء من النظام.. تشارك في إستحقاقاته وتشاركه الرأي في الأمور الكبيرة التي بالطبع لا يشارك النظام بها أحدا، فأصبح أمام هؤلاء الشباب على فرقتهم في كيانات حزبية كثيرة، الكثير من الأعباء.. من قام بها منهم فقد أكمل مسيرة يناير في وجهة نظري بعد صعوبة العمل الثوري، بل ورفض الجماهير له بعدما عانت اقتصاديا بفعل مقاومة الأنظمة لتعديل الأوضاع بعد الثورة.

أصبح شباب يناير والمنضمون لأحزاب منهم خصوصا لديهم في مجال السياسة واجب لا يختلف عن واجبهم الثوري الذي قاموا به للتغيير، بل أراه مكملا له فيما يشبه الجامعة بعد المدرسة وما يشبه الأثاث بعد البناء الخاوي، وإن قلت الفرص وضعف الناتج فليس أجدر بتضحية مثل هذه من شباب كانوا على استعداد لتقديم أرواحهم نفسها للوطن.هذا الواجب احاول أن لا أحصره، لكني أري منه بعض النقاط:

أولا: فكرة إنهاك الشعب من الثورات لابد أن تصل للكل، فنحن جزء من الشعب ونحس بوقع يناير الاقتصادي على الكل ولا نحّمل يناير منها شيئا، لكن بفعل سحر الإعلام الذي تملكه السلطة، يقتنع الناس أن الثورة تجلب الفقر وعدم الأمن، وبالطبع هذا خطأ، فالظلم هو ما يفعل، وهنا واجب الشباب أن لا يتعالوا على جموع الشعب. ويبدأون بقدر الاستطاعة توضيح الأمر لهم مرة وإثنان وثلاثة، ومنهم أقرب المقربون إليهم من أجيال كبيرة فرحوا بيناير وقالوا هذه أكبر، فلما أفلت هربوا من تأييدها بل وسبوها، ولا ضير من توعيتهم وحتى إن معظمهم يفهم، لكن يخاف على نفسه وأولاده.

لا أمل في تغيير تحدثه فئة دون جماهير تحميها، ويناير أكبر مثال، فالعمل على إعادة الجماهير مهم، ولو كان رؤية مستحيلة، فلابد من حل لغزها أولا.

ثانيا: العمل الحزبي في مصر يعاني فعلا كما ذكرت عاليه، وكل الأحزاب سواء الموالية للنظام والمعارضة له، والتي تتأرجح بين ذلك تشترك في أنها تعاني وأنها تضم شبابا محسوبا على يناير وغيره، وهنا يجب أن تظهر الفضيلة الغائبة، وهي فضيلة الحوار.. لابد أن تتكلم كل الأحزاب مع كل الأحزاب، ويحشر شباب يناير نفسه في وسطها على مبادئه، فماذا مثلا لو تلاقى شباب حزب الدستور وشباب مصر القوية وشباب المصري الديموقراطي وحتى شباب الوفد وغيرها من الأحزاب؟ ماذا لو تلاقوا على مطلب خروج شباب المعتقلين المظلومين، وحتى المظلوم من الإخوان.. فهل رفض الظلم تهمة؟! ومن المعتقلين رموز الثورة وأعضاء أحزاب سياسية كالمهندس هاني الجمل المرشح السابق لأمانه حزب الدستور. كمثال طبعا والأفضل من الشباب لا يعرفه أحد ويدفع ثمن شهامته.. هل يضير هذا الدفاع عن المعتقلين ظلما حزبا منهم؟! وهل يخرج شبابه خارج مبادئهم؟! هل لو اجتمعوا على دعم مطالب الشعب العامة كخدمات للمواطنين وحياة كريمة أو حق في المحاسبة للمسئولين.. هل هذا يعد انتكاسا للحركة الثورية وبيعا للقضية.

ثالثا: ولكل الحق أن ينتقد أو يضيف.. أن لا يحتقر أحد عمل زميله، طالما وثق في نيته أنها لمصلحة مصر، فهو بذلك يقلد السلطة الغاشمة التي يرفضها، بل يحاور ويتكلم ويستوعب وجهة النظر ويشاهد مع زميله نهايتها آملا أن تعلمهما التجربة وتقربهما ولا تبعدهم، فمثلا لو كان رأيه مقاطعة الانتخابات البرلمانية، وهو رأي وجيه سياسيا لانعدام الفرص، إلا على مؤيدي النظام، فأيضا من فكر بالمشاركة ليس خائنا، خصوصا لو كانت نيته المعاينة من الداخل وتوضيح المخالفات والقيام بالدور المنوط لممثل الشعب.. طبعا سيكون عمله مستحيلا، لكن لو كانت نيته صادقة، فلا حجر عليه، فليجرب ولتعلمه التجربة، دون مزايدة وباتفاق على مبادئ لا تختل ولا تتحول.

أقول إن شباب الأحزاب يجب أن يغزلوا برجل حمار، وأن يحاولوا بكل الطرق، ولا يرفضوا طريقا، لأن به تحسس، ولأن شبهة الموالاة للنظام ستطالهم أو تهمة الانتماء للإخوان ستلقى عليهم، فقد تحملوا ما هو أكبر، ولابد أنهم وعوا أن الانتصارات الكاملة هي حكايات حالمة بالسينما، وأن معركة الثورة لم تعد معركة ضربة قاضية، وإنما كمعارك الوعي والنضال من أجل المبادئ.. معركة نقاط، وبالطبع وقودها الحكمة والصبر طالما هي طويلة، وليس الحماس والبطولة كالثورات، وأن الحياة لابد فيها من المثابرة على الهدف حتى يتحقق، وهم هدفهم كبير كبر الدنيا، لو كانوا يتذكرونه: \”عيش حرية عدالة إجتماعية\”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top