حنان كمال تكتب عن دعاء الشامي: التي تشع نورا وصلابة

سأكتب عن صديقتي, لعلها الآن تحيي سنة التكبير في العشر الأوائل من ذي الحجة, أو لعلها تفتح باب قلبها للسماء كي تأخذ الحزن منه, ذلك الحزن الذي سكنه مؤخرا, دعاء الشامي تعرف باب السماء جيدا، لذلك فأنا اصدق أن الحزن لن يسكن عندها طويلا.

هي بنت بلد, في بدايات التدوين، اشتهرت هي بمدونتها \”بنت بلد\”، كما اشتهر حبيبها وخطيبها –آنذاك- البراء أشرف بمدونته \”وأنا مالي\”، كان كلا الاسمين معبرا تمام التعبير عن كليهما, فبراء يشبه طفلا يقف على حافة العالم بهامته الضخمة هازا كتفيه أمام هذه الحياة العادية، قائلا: وأنا مالي, كان يبحث عن حياة استثنائية تليق بموهبته وطموحه وعمره القصير الذي ادركنا مؤخرا أنه كان يستشعره بيقين.

أما هي، فكانت كعصفورة صغيرة جدا, تنخرط في الواقع لتجعله أجمل, أكثر بهجة وأكثر تنظيما, من فرط ولعها بالترتيب، اتخيل أن دعاء الصغيرة ذات الهمة العالية ستعيد ترتيب الكون على مزاجها، وهي تقدر.

حين تعارفا علمها براء اشرف أول خبراتها في الإخراج, فانتجا معا فيديو لأغنية محمد منير \”حبك حرية\”, يقترن حب الوطن عند دعاء بالحرية أكثر من أي شئ آخر, وترتبط محبتها وبراء بالفن والموهبة, الأنفس الجميلة تصنع الجمال, وإذا ما زارها الحب، فإنها تتورط أكثر وأكثر في صناعة الجمال.. هكذا كان البراء وحبيبته دعاء.

تكترث بنت البلد الصغيرة جدا بمحاولات إسعاد من حولها, يكفي أن تحدثها ذات يوم بصوت فيه قليل من الهم, لتفاجأ بعد قليل أنها رتبت عقلها تماما، كي تساعدك في التخلص من همومك, مساعدات عقلانية أحيانا أو روحية, في كل الأحيان سيكون في ظهرك فتاة قوية ودعم لا يستهان به.

لم تكن قد انجبت مليكة بعد حين هاتفتني, كان صوتي يحمل آثار الزعل, خناقة عادية بيني وبين زوجي, خلال نصف ساعة كانت دعاء وفاطمة خير في شقتي بالهرم, تطيبان روحي, حين علمتا أنها المناكفات المعتادة بيني وبين أحمد, جلسنا معا وأعلنا مجلس حرب ضد عموم الرجال, كانت مقررات مجلس الحرب سرية, وطبعا لم التزم، وأخبرت أحمد في المساء بكل المقررات, وفي الصباح ضحكنا معا أنا ودعاء وفاطمة على خيبتي في إدارة هذه الحرب.

ظل مذاق هذا اليوم في روحي بطعم الصداقة الحقيقية التي لا تتركك أبدا وحيدا، حتى لو كانت معاركك صغيرة وتافهة.

مرت أيام كثيرة برهنت فيها دعاء دائما أنها الصديقة التي تكترث لأمر أصدقائها, أيام أكثر من أن يضمها مقال.

في رمضان الماضي تشاركنا كل شئ, كانت تطبخ بدلا مني إذا ما منعتني ظروفي.. تحملني إلى المستشفى وتبيت معي ليلتي الأصعب, أنا معلقة بالمحاليل، وهي بجوار فراشي تختم القرآن في ليال عظيمة, تحرضني على صلاة التراويح يوميا، ومهما كانت الظروف.. تحرص على ألا تفوتها, نتبعها بقيام وقرآن, نصلي الفجر حاضرا في مسجد قريب, علمتني دعاء سنة الذكر والقرآن والدعاء من الفجر وحتى شروق الشمس, واخبرتني أنها بأجر حج وعمرة, كلما نجحت في اقتناص هذه الساعات المباركة في العبادة، حلمت بدعاء، وكأن لها نصيبا من أجري, اكتشفت أن الفتاة الصغيرة الجميلة، تتحول في دقائق لشيخة لها بركات وكرامات, اتعلق بصلاتها وتسبيحها, فالنفوس الجميلة التي تشع نورا، هي رزق من الله، وقد رزقني الله صحبتها.

كشجرة طيبة انبتت زهرتين هما مليكة وكرمة, ترث مليكة من براء شغفه بالموهبة وذكاء حادا يشع من العينين, دأب عظيم وإصرار, وترث كرمة ضحكة أمها بما تشعه من بهجة, لا تكف دعاء عن الابتسام حتى في أحلك الظروف, فذلك النور الذي في قلبها يأبى إلا أن يشع في عالمها بفيض من الجمال والرضا.

حزينة هي الآن, تبكي فقدها للحبيب والصديق والزوج وأبو البنات, اعرف أنها قوية, أقوى مما يبدو، وأقوى مما تعرف, صلابتها تتجاوز حتى ما تعرفه هي عن نفسها كواحدة من أولاد البلد الجدعان, أو كواحدة من أبناء الفلاحين الذين حملوا صلابة الأرض, ستجد أم مليكة نفسها أقوى من ذلك كله، وستفاجئ نفسها بانتصارها على ذلك الحزن, وستمنح هذا العالم المحيط بها كثيرا من المحبات الطازجة كروحها، وستربي البنتين بما يليق بهما كابنتي براء ودعاء, أنا أؤمن بقوتك يا صديقتي وبنورك، لأنهما من الله.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top