عزيزتي إيمان..
كيف حالك؟ أتمنى أن تكوني بخير دائم.
لا اعرف سببا حقيقيا لكتابة هذه الرسالة، ولم نكن صديقين نجلس قديما في مقهى نطهو ذكريات ما تكون صالحة لحكيها عندما نكبر.. ولا أعرف سببا حقيقيا لاختيار ديوانك (ممر معتم يصلح لتعلم الرقص) بجواري على السرير بعد فقدي لأمي.
(1)
عندما وجدت نفسي وحيدا في أول ليلة بعد موت أمي.. كانت قصائدك هي حليف الليل والفقد.. كانت تسكن بجواري تطمئن علي.. تربت على كتفي بعد أن وجدتني وحيدا بلا أصدقاء.. أصدقائي يجلسون مع هواتفهم الجوالة بقوة الحضور بعد غياب طويل.. لا ينظر لي أحدهم خوفا من حزن ما قد يصيبهم من ملامحي التائهة وسطهم.. وبعض الاتصالات التي كانت تأتي حينا وألحظها، فأرد عليها بصوت خفيض حتى لا أزعج قصائدك النائمة في النهار.. لأنها كانت تفضل الليل دائما مثلي.. أصدقائي طيبون مثل قصائدك، لكنهم لم يكونوا بقوة وصمود قصائدك أمام الحزن.
هذا الممر المعتم لم يصلح لتعلم الرقص، لكنه يصلح الآن لتعلم الحزن.
(2)
\”عندما عدت مع الاقدام الكبيرة
من دفن أمي
وتركتها تربي دجاجاتها في مكان غامض ،
كان علي أن أحرس البيت من تلصص الجارات
وتعودت الجلوس علي العتبة
في انتظار البطلة – التي يظلمونها دائما –
في المسلسل الإذاعي.\”
(3)
تعرفين يا إيمان كنت اذهب إلى السينما لأجلس وحيدا في كرسي وسط صالة العرض لأشاهد فيلما حزينا كي أبكي مع الأبطال دون إبداء أسباب أو توضيح لأحدهم، ودون أن يتطفل علي أحد الحضور ليسألني لماذا تبكي؟ فهناك سبب يعرفه كل مشاهدي هذا الفيلم لا ينتظر أحدهم السؤال أو الجواب.. هذا الفيلم حزين.. والأفلام المبكية حل مناسب للحزن والبكاء دون ملاحظة من أحد.
أصعب حالات التواصل مع الآخرين هي الإجابة على سؤال (عامل إيه؟ بقيت كويس؟) في هذه اللحظة التي يباغتني بها أحدهم بسؤال مثل هذا ربما أكون هادئا إلى حد ما، لكن فور قراءة هذا السؤال أعلم أنني لست بخير، فهناك من يتغذى على حزن الآخرين دون قصد، كتمرين مناسب له على حزنه.. للحزن تمارين خاصة كما الرقص يا إيمان.
(4)
في القديم كانت تلفتني أحلامك في قصائدك، وتعجبني براءتها، وكنت أفكر كيف لإيمان أن تحقق هذه الأحلام!
\”فكرت أن أسمي شارعنا باسمي
شرط توسيع بيوته،
وإقامة غرف سرية،
بما يسمح لأصدقائي بالتدخين داخل أسرتهم
دون أن يراهم أخوتهم الكبار.\”
\”ويمكن أيضا دهن الأبواب بالأورنج
كتعبير رمزي عن البهجة –
ووضع مقابض مخرومة، تسهل على أي واحد
التلصص عللى العائلات كبيرة العدد،
وبهذا لا يكون هناك شخص وحيد في شارعنا\”
وعندما شاركتني قصائدك فراق أمي، قرأت الديوان بعين أخرى، لم تكن موجودة، لأنني لم أكن قد عرفت الفقد بعد، وعرفت أن الأحلام محض قصائد تعيننا على حزن كبر السن وذكريات من رحلوا من أحبائنا.
(5)
\”يبدو أنني أرث الموتى
ويوما ما
سأجلس وحدي على المقهي
بعد موت جميع من أحبهم
دون أي شعور بالفقد
حيث جسدي سلة كبيرة
ترك فيها الراحلون
ما يدل عليهم.\”
(6)
إلى اللقاء..
ملحوظة: القصائد لإيمان مرسال..
باسم شرف