\”أصابك يأس أم رُميت بعسكرٍ؟!\” أم حسبنا أن تعقيدات الأمور كلها ستُحل بين غمضة عين وإفاقتها؟! أم نرى أن الفساد والظلم سينتظر كلمتنا الجامدة أو مظاهراتنا الحاشدة كي يحزم أمتعته ويرحل؟ أم نرى في ثمانية عشر يوما طوقا للنجاة وحلا لكل المشكلات؟! حتى إذا ما شاكتنا شوكة، فقدنا الأمل، وندبنا كما تندب الثكالى، ووضعنا رأسنا بين كفينا وقلنا \”مفيش فايدة!\” أفيقوا يا سادة، إننا نُحارب ظلم متوغل حتى مركز الأرض.
إن ما حدث منذ 25 يناير 2011 حتى الآن هو صراع على سلطة، حرب مصالح بين فاشية عسكرية مُتحكمة في مُجريات الأمور، وبين فاشية دينية ترى أن الوقت قد حان لتأخذ دورها، وبينهما فصيل ثوريّ لا يبغي السلطة ولا يتصارع عليها، لكنه يريد أهدافا يموت دفاعا عنها وعن تحقيقها، لا يُهمها من يحكم بقدر ما يهمها ماذا سيفعل، ومدى رغبته في أن يفعل، وكيف سيفعل.
العسكر والإخوان، وجهان لعملة واحدة، كلاهما لا يرفض الظلم على المطلق، بل يرفضه فقط حين يقع عليه، أو حين يؤذي مصالحة، أمَّا لو كان هو الظالم فمرحبا بالتحليلات والتبريرات العظيمة والمتناثرة، نتذكر جيدا رفض الإخوان لقرض صندوق النقد بحجة أنه ربا وأن الربا حرام، ثم قبولهم له بعدما وصلوا للحكم بحجة أنها مصاريف إدارية وليست فوائد وليست ربا، كذلك العسكر الذين رفضوا مشروع قناة السويس أيام حكم الإخوان بحجة أنه خطر على الأمن القومي، ثم طرحوه بعد ذلك أيام وصلوا للحكم.
بعد ثورة يوليو 1952 سيطر الجيش على كل مصالح الدولة، ووضع في كل هيئة أو وزارة ممثلا له تحت مُسمى \”ممثل مجلس قيادة الثورة\” وكان له صلاحيات التعليق على القرارات ومنعها، وكان المُبرر؛ حماية الثورة. كذلك الإخوان؛ ريثما وصلوا للحكم بعد الثورة، بدأوا محاولاتهم في السيطرة على كل مقاليد الدولة وكل أركانها، وأذكر من ذلك أحد أفراد جماعتهم عُين مُستشارا لوزير التربية والتعليم وهو يحمل دبلوم صنايع، كان همهم الأول أن يسيطروا كي يعيدوا بناء دولة مبارك، لكن بشخصيات مختلفة تخدم مصالحهم.
وسط هذا وذاك، يقف الثوار، يُنكِل بهم الفريقين، الثوار طريقهم واحد، تارة يكون طريق الثوار يخدم صالح الإخوان، فينضمون لهم ويشجعوهم ويدافعون عنهم ويعظموهم ويُمجدوهم، وسط سخط من العسكر ومناصريهم، وتارة أُخرى يكون طريق الثوار يخدم مصالح العسكر، فينقلب المادحون يُذمونهم، ويصبح الساخطون يمدحونهم. تجلى هذا المشهد واضحا وقت أُقيل مُبارك، فكان العسكر من المادحين تحت شعار نهدأ ونبني، وكان الإخوان من المادحين تحت شعار استكمال الثورة، ثم انقلب الإخوان وقت أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء على الثوار غضبا لأنهم قد نالوا مصالحهم، واستمرار الثوار في التظاهر سيضرهم. العكس تماما وقت 30 يونيو، انحصر العسكر في مدح الثورة والثوار والشعب العظيم، وانصرف الإخوان لسبهم ووصفهم بالمخربين المُمولين من الخارج، الخارجين عن الإطار العام.
العسكر والإخوان، فاشيتان يحتاج كل منهم للآخر، وكل منهما يبني قوته على وجود الآخر، فمبارك طوال فترة حكمه كان يُبرر أي تصرف أحمق بخوفه من سقوط الدولة في يد الإخوان، رغم أنه كان يعقد معهم الصفقات ليحافظ على حكمه، والإخوان فترة حكمهم كانوا يقمعون معارضيهم بتهديدهم بعودة العسكر، رغم اتفاقهما في أغلب الأحيان.
واليوم، بعد أن أعطى العسكر الحبل للإخوان ليلفوه حول رقبتهم ثم شده واقتلعهم، وانقلب على الثوار الذين نزلوا في الثلاثين من يونيو مطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة، انقلب عليهم في 3 يوليو، وسيطر العسكر مُجددا على مقاليد الأمور بكل حزم وقوة، وقيدوا أغلب الحريات، وخونوا كل من يتظاهر ضدهم، وسيطروا على الإعلام كله، ومنعوا كل من هو ليس على هواهم، كل هذا بتأييد شعبيّ كامل من الكتلة العريضة من الشعب – حزب الكنبة – واستخدمت الدولة الحالية كل أساليبها لتهزمه داخليا، فأصبح القتل والاعتقال والتعذيب والانتهاك خيارات للدولة ضد كل من يقول رأيا غير مُطابق لرأيهم، وسُنت القوانين المُقيدة لكل صاحب رأي، وعادت الدولة الظالمة الباطشة بأكبر من جبروتها الماضي، نرى كثيرا من الثوار أُحبطوا لدرجة كبيرة، وعادت الهجرة لهم أملا وهدفا يسعون من أجله، وشباب مصر الذي ارتفعت معنوياته إِلى السماء يوم 11 فبراير، سقطت أحلامه التي أُوقِظت بفعل الثورة إلى سابع أرض، ليكون للسؤال ملحا الآن؛ أهُزمت ثورة يناير؟!
إن هزيمة الثورة ليس بعدم تنفيذ مطالبها، وإنما بكسر المُشاركين فيها، الحالمون بوطن أفضل، الطامحون إِلى دولة يسود فيها العدل والخير والإنسانية، فحذار حذار – إخوتي في الثورة – من الهزيمة الداخلية، فطالما كنا أقوياء من داخلنا مؤمنون بحتمية انتصارنا كلما كان صعبا عليهم كسرنا وهزيمتنا، وكلما أصبح السجن والاعتقال في الثورة أمرا هينا ومدعاة للفخر.
إن المُستقبل لنا – نحن الثوار – نحن من نملك الحلم؛ حلم أن تُصبح مصر دولة، وليست خرابة يبطش فيها الحاكم بمن يخالفه، نحن جيل نملك الحلم، ولا سبيل لهزيمتنا إِلَّا بكسرنا داخليا، فإن لم ننكسر فالنصر حتما حليف لنا، ولن يستطيع الظلمة أن يهزمونا إِلا لو قتلونا جميعا، أو أوقفوا الزمن.
ألا لعنة الله على الظالمين.