دينا ماهر تكتب: لعنة اللبانة الرابعة

جئت للعالم غلطة، لم ترغب أمي أن تنجب طفلة ثالثة، لكن يشاء الحظ أن أتحدى رغبات الأهل منذ الصغر، وآجي الدنيا غصب. وكأن الدنيا لا تقبل من يأتون غصبا، فظلت تعاندني منذ ولدت.

تحكي لي أختي أنه قبل مولدي، كانت الثلاث لبانات بخمسة قروش.. كانت أختيّ يتمنيان أن تنجب أمي طفلة تقاسمهم اللبانة الثالثة. وبمجرد وصولي لسن يسمح فيه بتناول اللبان، أصبحت \”اللبانتين\” بشلن، فكنا نشتري ببريزة لبان، ونتساءل من سيأخذ اللبانة الرابعة؟

كانت اللبانة الرابعة ترمز لجانب كبير من حياتي.. حياتي سلسلة طويلة من الوصول المتأخر، فحين أصبحت في سن  يسمح لي بشراء الحلوى من مصروفي الشخصي، زاد سعر كيس الشيبسي من ربع جنيه إلى خمسة وثلاثين قرش، فكانت طفولتي مليئة بالفكة والطوفي ومشط كبريت أعطيه لوالدي.

في أول مرة أركب أتوبيس، تزداد التعريفة.. أصبح في الثانوية العامة فيلغون التحسين.. لا ألتحق بالكلية التي أريدها بفارق واحد من عشرة بالمائة.. دائما ما أرى القطار يتحرك قبل أن أصل لأقرب باب.. دائماً أنا متأخرة عن موعدي، رغم مراعاتي للوقت.

قبل كل امتحان، كنت أتمنى أن أسافر إلى لندن. لا لشيء سوى أن أجعل ساعة بيج بن تتوقف عن العمل، ظنا مني أن ذلك سيوقف الزمن، فأنهي ما هو مفروض عليّ في وقته المحدد.. في أيام المدرسة كنت أريد ساعة زيادة لأنهي المذاكرة على أتم وجه، وفي الجامعة أنا أحتاج يوم زيادة فقط. وفي العمل أحتاج أسبوعا كاملا.

كل هذا الوقت المسروق من العمر، هل هو لعنة اللبانة التي لا تجد من يأكلها؟ أم لعنة جيل كامل من المنحوسين الذين جاءوا متأخرين ففاتتهم كل القطارات، فجلسوا يتسامرون على رصيف المحطة؟ هل الحياة صعبة لهذا الحد الذي يجعلني أشعر أنني يجب أن أجري طوال الوقت؟ أم أنا كسولة، أترك كل شيء للحظة الأخيرة زي التلميذ البليد؟ هل أربع وعشرون ساعة، زمن قليل عشان نخلّص اللي ورانا؟

أم أن كل الحكاية أني جيت في زمن غير الزمن. هذا الزمن المليء بالأنفاس المتلاحقة والجري لا يناسبني. هذا ليس زمني. هذا ليس زمن من ظهرت لهم تجاعيد وشعرات بيضاء ومازالوا يخشون عبور الشارع. من عاشوا حياتهم في أحلام اليقظة ليجعلوا الواقع أقل سخافة. الذين لا ينتظرون الكوبون الكسبان لأنهم يعلمون جيدا أنه \”حظ سعيد المرة القادمة\”. هذا ليس زمن الذين لا يصرحون بمشاعرهم خوفا من الرفض، رغم تعودهم الخسارة. هذا ليس زمن الناس اللي على شعرة، يتأرجحون بين الطفولة والنضج. من يلعبون بالمطر نهارا ويشكون طوال الليل من آلام المفاصل. من يحنون لأيام لم يعيشوها، وأفلامهم المفضلة صُنعت قبل مولدهم بعشرات السنين. وبالطبع هذا ليس زمن من يعتقدون أنه لو تعطلت ساعة بيج بن سيتوقف الوقت بالفعل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top