كأي مواطن سكندري بسيط, صعد ذلك الرجل في ليلة الأربعاء على متن الترام \”أبو دورين\”, بما أنها وسيلة مواصلات رخيصة ومتاحة لكل المواطنين وممتعة للغاية بالطبع. أتى الكمسري حتى يقطع له تذكرة, ويخبره أن الدور الأرضي أصبح بجنيه والدور العلوي بخمسة جنيهات. ليصيح المواطن البسيط في وجهه قائلا: \”حرام عليكوا بقى سودتوا عيشيتنا.. إحنا لاقيين ناكل عشان كل يومين تغلوا المواصلة الوحيدة اللي عارفين نركبها.. لا عارفين نركب ولا عارفين نشتغل ولا عارفين نعيش\”, ثم ينفجر في البكاء الهستيري.
سيدي الفاضل, كيف حالك؟ أتمنى أنك على ما يرام.. أكتب لك هذا المقال عسي أن تقرأه وتعلم ما في نفس مواطني محافظتك.. عروس الأبيض المتوسط.. تلك الماريا التي تغنّى بها وعنها الكثيرون، وقالت فيروز عن شاطئها إنه شاطئ الهوى, وتمنى محمد منير من بحرها أن ينوبه من الحب نائب.. لن أطيل عليك، فأنت بالتأكيد تعرف تلك الأغنيات وتحفظها وتتغنى بها مثلي ومثل أي مواطن سكندري محب.
هل تعلم يا سيدي الفاضل أن الإسكندرية, تغرق تحت أكوام القمامة؟ التي أصبحت من معالمها المعروفة التي لا تتغير.. عندما تريد أن تلقي القمامة في الإسكندرية تلقيها بجانب الأرصفة أو على قضبان القطار, وهناك شوارع مكان إلقاء القمامة فيها منتصفها, فأصبحت القمامة كما \”الجزيرة\” التي تفصل بين حارات السيارات.
شوارع الإسكندرية لها رونقها الخاص عندما تغدو مبتلة بالأمطار في فصل الشتاء, أنت تعرف هذا.. تلك الرائحة المحببة للنفس, وذلك النسيم البارد الملطف. الجديد أن الإسكندرية أصبحت مبتلة في جميع الأوقات يا سيدي الفاضل. ولا أظن أن هذا البلل يبعث رائحة محببة للنفس، خصوصا مع برك الصرف غير الصحي التي تحيل حياة السيارات جحيما, ما بالك بالمارين, وما بالك أيضا بالسكان.
في خلال السنة الفائتة لا أعلم متى بالتحديد, تمت حملات إزالة موسعة في شوارع الإسكندرية؛ ورأيت الأسفلت في طرق لم أكن أعلم أن بها أسفلت من الأساس, كنت أعتقد أن الطريق أنشئ وفوقه عربات الفاكهة والملابس الرخيصة.. فرح الجميع بتلك القرارات, وكان هناك شائعات عن منح أصحاب العربات أكشاك مرخصة للعمل بها، وعاش الجميع في سعادة وسرور, لكن للأسف لم تنته القصة هنا, ولم \”تفرغ الحدوتة\”، فقد عاد أصحاب العربات, بأصدقائهم وأصدقاء أصدقائهم, وفُرشت الشوارع طماطم وجوافة وبطيخ، ولا يقدر أحد على مجرد الحديث معهم أو المطالبة بحقه في الشارع.. لا أحد يريد أن يُرمى بالبطيخ, ما بالك إن رُمي بسكاكين الموز أو ما شابه.
قرأتُ لسيادتك تصريحا من حوالي شهر ونصف الشهر, تحدثت فيه عن أن \”إسكندرية أمان زي زمان\”, وأن الحملة التي قمت بشنها ضد التحرش قد أثمرت نتائجها الإيجابية, وانخفض التحرش بشكل كبير في أول أيام العيد بفضل التواجد الأمني المكثف بجوار النقاط الحيوية مثل دور السينما والمولات، لكن سيدى, ماذا بعد العيد؟ التحرش ببنات محافظتك وسيداتها وحتى أطفالها يحدث بشكل يومي ومكثف ومقزز. أعلم أن هذا وعي الشباب المغيب والمكبوت جنسيا, لكن, من المسئول عن تكوين وعي هؤلاء الشباب؟ من المسئول عن إخراج أجيال سوية مفيدة ومنتجة وعاملة من أجل المجتمع؟ أنا فقط اسأل.
لن أطيل عليك سيدي, فأنا قد جئتك اليوم أهنئك علي تطويرك للترام بأشكالها وانواعها المختلفة, السياحي والكافيه و\”أبو دورين\”، فهذا هو ما نحتاجه كشعب الإسكندرية.. ولا عليك من الزيادة الطفيفة في أسعار التذاكر.. لا أظن أن نصف جنيه زيادة سيؤثر في جيوب مواطنين مدينتنا, بل أعتقد أنه سيوفر عليهم نصفا آخر, لإنهم سيذهبون إلى أعمالهم على الأرجل.