مروة رخا تكتب: مجدي ومريم.. ولعنة الثانوية العامة

مجدي ابن خالتي مات.. مات مجدي بعد عيد ميلاده الأربعين بقليل ولكني أشعر أنه مات يوم نتيجة الإعدادية!

أتذكر مجدي من الحين للآخر، ولكني أحاول ألا أتذكره كثيرا! لدي قناعة راسخة أن التفكير فيمن رحلوا عن عالمنا يستدعيهم بصورة أو بأخرى وقد يأتوا غاضبين أو ناقمين أو لائمين!

في الفترة الماضية تذكرت مجدي كثيرا! يعود مجدي إلى الحياة في ذاكرتي كلما قرأت أي خبر أو مقال عن مريم ملاك صاحبة الصفر الشهير في الثانوية العامة. سوف أحكي لكم حكاية مجدي لأني أشعر أني أريد ان أحكي! لا أهدف إلا تغيير أي شيء ولا الثورة على أي وضع ولا الهجوم على أي منظومة! ولن أستخدم أي ألفاظ نابية في هذا المقال احتراما لسيرة مجدي ابن خالتي الذي مات قبل تاريخ وفاته بخمسة وعشرين عام!

كان مجدي أول فرحة عائلة أمي لأنه أول حفيد وكان طفلا جميلا شكلا وموضوعا! كان هادئا باسما متعدد المهارات! في سن العاشرة كان يستطيع تسلق حلقي الباب بقدميه وفي سن الثالثة عشر كان يستطيع لف شعر أخته الغزير الطويل الجميل على بكلات منمقة وفي سن الخامسة عشر حكى لي عن دينا جارته التي يحبها ويريد أن يتزوجها! ثم ظهرت نتيجة الإعدادية وانطفأت شمعة مجدي! مجموعه لم يؤهله للالتحاق بالتعليم الثانوي العام واضطر إلى الالتحاق بالثانوي الفني!

أصبح مجدي ومجموعه وصمة في العائلة! كل بنات وأبناء خالته ينجحون ويدرسون في مدارسهم ويذهبون إلى نواديهم ويطاردون أحلامهم ومجدي يغرق وحده في كابوسه! بدأ مجدي ينزوي ويختبئ وينطفئ وكأنه يستعد أن يكون ذكرى! في البداية كان يزورنا، لكنه كان يجلس في صمت؛ لم يعد يتحدث عن دينا أو أصدقائه أو دراسته! توقف عن الحديث لأن حديثه لن يليق بنا! دراسته غير دراستنا ومدرسته الثانوية غير مدرستنا الثانوية وزملائه غير زملائنا وتجربته في الحياة أصبحت سر أخذه معه إلى العالم الأخر. بعد عدة زيارات صامتة توقف مجدي عن زياراتنا وعن زيارة جميع خالاته وامتنع عن حضور جميع مناسباتنا وأصبحنا نتحدث عنه دائما بصيغة الغائب لأنه اختار ألا يكون حاضرا!

مرت السنوات وكل أخبار مجدي كانت فشل تلو الآخر! ماذا كنا نتوقع من ابن خالتنا المكسور؟ ماذا كنا نتوقع من مجدي بعد أن دهسه النظام التعليمي والتقييم الاجتماعي؟ مرة نسمع أن مجدي يعالج من الاكتئاب ومرة نسمع أنه يعالج من الوسواس القهري ومرة نسمع أنه يعاني حساسية على الصدر! كل أخباره كانت عن أمراض بلا مصدر وأعراض غير معروفة وقائمة طويلة من الأدوية! احتجب مجدي تماما حتى وإن زرنا والدته كان دائما غير موجود! رفضنا مجدي قبل أن نرفضه!

حاول مجدي العمل كثيرا، لكن شهادته ودراسته ومساره التعليمي فرض عليه وظائف خدمية كرهها وذكرته كل يوم بنتيجة الإعدادية! حاول أن يترك مصر ويعمل في الخارج، لكن لعنة تعليمه المصري طاردته وعاد خائب الرجاء! لم يتزوج مجدي! مات ولم يتزوج! لم أسمع عن أي قصة حب أو مشروع ارتباط يخصه! بعد وفاته، ذهبت لأقدم واجب العزاء لخالتي وابنة خالتي ورأيت صورة له في المنزل! لن أسترسل في وصف الصورة، لكني تمنيت أن يعود بي الزمن إلى الوراء حتى أنقذه! على الأقل كنت سأحاول اختراق شرنقته وإخراجه من عزلته! كنت سأحاول أن أفكر معه في مسارات بديلة! كنت سأجلس صامتة وأستمع إليه!

هل ولد مجدي فاشلا؟ هل خلق مجدي بلا موهبة؟ هل نتيجة الإعدادية حقا كانت تقييما لقدراته؟ هل استحق أن يعيش سلسلة من الصدمات والمعاناة لسبب غبي مثل درجات الامتحان؟ هل كان يصح أن تحدد مدرسته مستواه الاجتماعي؟ هل كان يصح أن تحدد دراسته – التي لم يختارها – مصيره؟ هل صدق مجدي أنه خائب لأن مدرسته الإعدادية وصمته بالخيبة؟

للأسف لم يكن كبيرا أو ناضجا أو قويا بما يكفي ليعرف أن لا قيمة لهذه الأوراق أو هذه الدرجات أو هذه الشهادات في أي بلد في العالم وأن التعليم كله محصل بعضه وأنه بكرة يكبر ويعلم نفسه بنفسه زيي وزي اخته وزي كل بنات وولاد خالاته!

الشعور بالظلم يقتل والشعور بالاضطهاد يقتل والشعور بالرفض يقتل!

معلش يا مريم!

الله يرحمك يا مجدي!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top