دعاء فاروق تكتب: إحنا من طينة وهم من طينة!

 

فتح والدى باب الصالون واستقبل ضيفه بمنتهى الاهتمام والترحاب.. يادي النور يادي النور.. اعملي شاي يا دعااااء.. برطمة كالعادة كرد فعل طبيعي لطلبات في آخر الليل لناس لا نعرفهم.. مييين العالم دي اللي باباه بيجيبهم كل شوية؟ ترد أمي: معرفش.. اعملي الشاي وخلاص.. أخذ الضيف واجبه في ساعتين امتلا بيتنا فيها بصخب وضحكات وصوت عال، ثم قام لينصرف وسلم على والدي، الذي سلم عليه بحرارة شديدة كعادته مع أي حد معدي في الشارع لا يعرف اسمه، ويبقى ناقص يمسك فيه يبات عندنا!

أيوة مين الأخ بس ماحصلناش الشرف قبل كده؟ يرد والدي بمنتهى الحماس: ده السباك.. واد جدع قوي وابن حلال ومن بيت ناس طيبين. أيوة وإحنا مالنا بكل ده، وإحنا هنناسبه؟ جاي ليه؟ عاوز يشغل أخوه في المكان الفلاني وعاوزني أساعده! أيوة طب مايروح لك الشغل.. تدخله بيتنا ليه وتقعده في الصالون، وتقومني من تحت البطانية عشان أعمله شاى؟ وأنت راجل مهندس قد الدنيا.. تقعد تحكي مع سباك بالساعتين ليه؟ أنت هتصاحبه؟ آه يا تنكة يا بنت الكااالب! وأنتى إيش فهمك إنتى في الناس؟!  ده السباك ده أنضف من رئيس مجلس الإدارة الفلاني.. ده فيه ناس ببدل وعربيات ماتقلعيهومش من رجلك.. الناس مش بشغلاناتهم ولا بغناهم ولا فقرهم، بسمعتهم الطيبة وبمعاملتهم المحترمة.

ثاني يوم يرن جرس الباب ووالدي في السفرة بيتغدى، فيسألني: مين يا دعااااء؟ ده محصل النور يا باباه، فيرد والدي بعلو صوته: اتفضاااال.. تعالى كل بامية!

تربيت في هذه الأجواء، وشاهدت والدي يذهب لزيارة الكهربائي في منزله، لأنه مريض، وفلان ده دبلوم صنايع عندنا في الشركة، هروح أزف ابنه بعربيتي، واصلا دي مش عربيتي يا ولاد الكلب! دي ربنا باعتهالي لأزف بها الناس واقضي لهم مشاويرهم وحاجاتهم عشان اللي هتتذمر ولا تبرطم تاخد شتيمتها مقدما!

تذكرت كل هذا وأنا اقرأ تعليقا لأحد المتابعين لبرنامجي، حينما انتقدت نظام التعليم الحكومي، فقال في تعليقه على جروب برنامجي: دى واحدة بتركب عربيتها ومدخلة عيالها مدارس دولية أو لغات، وبتيجى تطرش كلمتين حافظاهم.. إنما مش حاسة بالغلابة.. سيبوا الغلابة في حالهم وماتتكلموش عن حاجة مانتوش حاسين بيها!

ترحمت على والدي الذي أدخلنى مدارس لغات، لكنه لم يغرس في أنني أحسن من اللي في مدارس حكومة، وأول ما أحس بنفسي شوية، يقوم خابطني واحدة يا بنت الكلب يعدلني فورا.

إنها العنصرية التي جعلت حتى الفقراء والغلابة، يستخدمونها في تصنيف البشر، وينظرون بها لمن هم أعلى ماديا أو تعليميا، ويفرقون بين الناس ويميزونهم عن بعضهم بناءا على مواقف مروا بها في حياتهم أو حتى بناءا على مخزون مصدي في أدمغة الناس تم تناقله بالكلام ولم يحدث معهم فعليا.. يقولك إحنا من طينة وهم من طينة! يا سلام.. اللي يقولك كده، أسأله: أنت طينتك كان فيها سماد ولا مبيدات؟! ويقولك: العين ماتعلاش على الحاجب! يا أهبل العين أحلى وأهم من الحاجب، ولو الحاجب اتشال خالص ممكن يترسم بحتة قلم.

مش لازم تبقى غنى وقوي وذا منصب، عشان تبقى عنصري.. لا الحقيقة، ممكن تبقى عنصرى جدا وأنت أفقر خلق الله، وبمنتهى التناكة تحط حد شكله كويس ولابس كويس في خانة هو نفسه عمره ما حط روحه فيها، ولا يعرفها أساسا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top