في صباح الثاني والعشرين من مارس 1948 يخرج المستشار \” أحمد الخازندار\” من منزله بحلوان متجها إلى مقر عمله بوسط القاهرة وبحوزته ملفات قضية تفجيرات سينما مترو المتهم فيها أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، لكنه لم يكمل رحلته إلى مقر عمله، لأنه تلقى وابلا من الرصاصات من شخصين كانا ينتظرانه أمام المنزل وهما \”حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم\”، اللذان ثبت فيما بعد انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين.
لاحقا في التحقيقات سينكر حسن البنا معرفته بهم، لكن النيابة تثبت أن المتهم الأول \”حسن عبد الحافظ\”، كان السكرتير الخاص للبنا، الذي يعترف بأنه نفذ العملية بتحريض من \”عبد الرحمن السندي\” رئيس الجناح الخاص للجماعة، الذي اعتبر كلمة البنا \”ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله\” بمثابة الضوء الأخضر لاغتيال المستشار.
بعدها بأقل من عام في الثامنة من مساء السبت الثاني عشر من فبراير 1949 يخرج السيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين والمرشد الأول لها من مقر جمعية الشبان المسلمين بصحبة صهره عبد الكريم منصور ليستقلا سياره تاكسي كانت بانتظارهما.
يعبر شابان الطريق جريا ويطلقان الرصاص عليهما, يصاب البنا بست رصاصات, يفر الشابان في سيارة فورد سوداء, ينجح أحد المارة في التقاط أرقام لوحتها ويمليه على محمد الليثي سكرتير لجنة الشباب بالجمعية.
البنا الذي قضي الساعات الأخيرة داخل مقر الجمعية يتفاوض مع ممثلي الحكومة حول قرار حل الجماعة الصادر قبل شهرين، والذي لا يعرف أحد حتى الآن حقيقة ما دار في جلسة التفاوض الأخيرة له مع الدولة, قضى نحبه بعدها بعدة ساعات في مستشفى القصر العيني بالرغم من أنه مصاب برصاصات ست، نُقل إلى المستشفى وهو في حالة صحية جيدة، لكن الاهمال الذي تعرض له وتركه ينزف لمدة ثلاث ساعات عجلا بنهايته.
في هدوء تام وسرية تم دفن جثته، وفجرا تمت مصادرة كل الجرائد التي نشرت أرقام لوحة السيارة (9979) التي هربت الجناة، والتي ثبت بعد ذلك أنها مملوكة لمحامي يدعى فهيم بولس ومؤجرة لوزارة الداخلية ليستقلها عقيد يعمل في إدارة المباحث الجنائية اسمه محمود عبد المجيد، شهدت مجموعة من الضباط أنهم كانوا مع المذكور في بهو فندق إيدن وسط البلد من الغروب وحتى ساعة متأخرة من ليل يوم الحادث وأن السيارة كانت تقف تحت أنظارهم أمام الفندق، بعد خمسة أسابيع صدر قرار بحفظ التحقيقات لعدم معرفة الفاعل.
الشارع في هذا الوقت تهامس بالحقيقة، لكنه لم يستطيع أن يجاهر بها.. رأى الناس أن الجريمة تمت أخذا للثأر, نفذتها الشرطة المصرية لحساب الحكومة السعدية ردا على عملية اغتيال النقراشي باشا رئيس الحزب.
اتخذت بعدها إجراءات أمنية صارمة لتأمين أقسام الشرطة ومديريات الأمن ووزارات الداخلية خوفا من أي عمليات انتقامية من الجماعة وامتنع الملك فاروق عن الظهور في أي محافل عامة لا يمكن تأمينها بالدرجة الكافية، وظل الوضع هكذا حتى يوليو 1952.
………
في صباح الاثنين 29 يونيو 2015 وأثناء عبور موكب المستشار هشام بركات لشارع مصطفى المختار المتفرع من شارع عمار بن ياسر بمصر الجديدة وعند تقاطعه مع شارع سلمان الفارسي، تنفجر سيارة مفخخة كانت تقف على جانب الطريق، ليلقي النائب العام مصرعه بعدها بساعات في المستشفى وتشير أصابع الاتهام إلى جماعة الإخوان المسلمين أو أحد أذرعتها الذي أدان المستشار ونيابته الكثير من قيادتها واعضائها حتى اغتياله.
بين اغتيال الخازندار وهشام بركات ما يقرب من 70 عاما وبحر من دماء، والضحايا للاغتيالات السياسية التي سنها الإسلام السياسي لم يتوقف بعد.
…………
في مقال له بالمصري اليوم نشر في مايو 2014 يدعو السيد علي سالم صاحب مسرحيات \”مدرسة المشاغبين\” و\”بكالوريوس في حكم الشعوب\”، والمثير للجدل بسبب دعمه للتطبيع مع إسرائيل وصداقته الشخصية لعدد من الزعماء السياسيين الإسرائيليين وسفرياته المتعددة إليها، إلى تأسيس جماعة \”شرف البوليس المصرية\” أسوة بجماعة \”شرف البوليس الفرنسية\” لتقوم باغتيال كل من تسول له نفسه الاعتداء على الداخلية أو أفرادها دون أي تحقيق أو محاكمة عادلة.
لكن هل جماعة شرف البوليس الفرنسية فعلا كانت تقوم بذلك؟
………..
تاريخ فرنسا الحديث يعرف جماعتين تم تأسيسهما بهذا الاسم.. الأولى أثناء فترة الاحتلال النازي كانت مكونة من ضباط شرطة فرنسيين وأعضاء في المقاومة السرية ضد المحتل، وكانت تقوم باغتيال الضباط الألمان.
الثانية ظهرت في نهاية السبعينيات, كانت جماعة يمينية متطرفة, قامت باغتيال الزعيم اليساري المشهور \”جان جولدمان\” في 20 سبتمبر 1979 والاعتداء على القيادات العمالية وتهديد عدد من الزعماء الشيوعيين بالاغتيال، كما قامت بتهديد الممثل الفرنسي الكوميدي الشهير \”كولوش\” بالاغتيال بعدما اعلن نيته خوض الانتخابات الرئاسية في 1981 ونجاحه في جمع التوكيلات، مما ادى إلى انسحابه من السباق الرئاسي برغم شعبيته العالية خوفا من الجماعة التي كان صيتها ذائعا وقتها.
حتى الآن لم يتم القبض على أي من أفرادها أو كشف سر اغتيال جولدمان، وتعتبرها الشرطة الفرنسية التي يدعي السيد علي سالم انتماء الجماعه لها جماعة ارهابية.
………
رصاص اطلقت على ولي عهد صربيا، كانت شرارة الحرب العالمية الأولى, وفي 1977 استهدف كمين في بلدة \”دير ديرويت\” بلبنان موكب كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي مما أجج الحرب الأهلية.
أربعة عشر حاكما عربيا تم اغتيالهم من 1951 حتى 1991 بدءا بعبد الله بن الحسين في الأردن وانتهاءآ بمحمد بوضياف في الجزائر.
معارضون كثر فخخت سياراتهم واطلقت عليهم رصاصات في كمائن نصبت خصيصا لهم، آخرهم \”شكري بلعيد\” القيادي اليساري التونسي، والذي تزعم المعارضة ضد حزب النهضة في تونس.
لا اغتيالات الحكام جاءت بالحاكم الديموقراطي، ولا اغتيالات قادة المعارضه قضت على المعارضة.
البنا المقتول أمام جمعية الشبان المسلمين على أيدي الحكومة، لم يقض اغتياله على الجماعة التي أرقت الحكومة والسادات المقتول وسط جنوده على أيدي الإسلاميين.. لم يحقق اغتياله حلم اقامة الدولة الإسلامية ولا جماعة شرف البوليس المصري التي يدعو الأستاذ علي سالم إلى تأسيسها ستعيد إلى الشرطة المصرية شرفها المفقود.
مر شهران على اغتيال النائب العام، ولم نعرف من المسئول، ومن الأرجح أننا لن نعرف، مثل معظم حوادث الاغتيال السياسي في التاريخ, الأداء المفتقد إلى الرحمة من رجال الداخلية والمفتقد إلى العدل من رجال القضاء، المفترض أنهم حراس العدالة، سيدفع جماعات الإسلام السياسي التي لا تعرف طريقا إلى الاعتراض إلا العنف الذي سيقودنا إلى مزيد من بحور الدم, مستنقع سيبتلعنا جميعا في النهاية ولا سبيل إلى الخروج منه إلا بالعدالة.