قراءة في القرار بقانون رقم 94 لسنة 2015 (قانون مكافحة الارهاب)
نتابع معكم في الجزء الثاني، قراءة لنصوص قانون الارهاب استكمالا لما سبق وأن اوضحناه تفصيلا في الجزء الأول من التعليق على القانون.
المادة 35 من القانون، والتي نصت على أنه (يُعاقب بغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه كل من تعمد، بأية وسيلة كانت، نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد، أو عن العمليات المرتبطة بمكافحتها بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، وذلك كله دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة. إلخ)
– يعتقد البعض أن المقصود بتلك المادة هم الصحفيين والإعلاميين فقط، لكن القراءة الأولى لنص المادة، يتضح معها بجلاء أن المخاطبين بأحكامها هم جميع الناس، فعبارة كل من تعمد، هي عبارة عامة تنصرف إلى كل مواطن وليس شرطا أن يكون صحفيا أو إعلاميا، فهي تنصرف أيضا إلى مستخدمي الإنترنت ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.. هذا من ناحية.
– ومن ناحية أخرى فإن النص من شأنه أن يهدر حرية الصحافة وحق الصحفي في الحصول على معلوماته من أي مصدر يثق فيه، ومن شأن النص أيضا أن يحول الصحفيين والإعلاميين إلى أبواق تردد ما يصدر عن الدولة من بيانات وتصريحات فقط – دون أن يكون للإعلام الحق في مناقشة أو تحليل تلك البيانات أو مقارنتها بمعلومات مغايرة أو فيديوهات أو أخبار تكون قد نقلتها مصادر أخرى، وهو بذلك يعكس أحادية الفكر التي تسيطر على مفهوم النظام الحالي.
– النص من ناحية ثالثة يحمل ازدواجية للعقوبة وتدخلا في الشأن الداخلي للمؤسسات الصحفية بأن اعطى الحق للقاضي أن يتضمن حكمه -فضلا عن الغرامة المبالغ فيها- وقف الصحفي عن ممارسة عمله! والنص بذلك فيه اعتداء على حق الصحافة ووسائل الإعلام في الحيادية المنصوص عليها بالمادة 72 من الدستور، فأي حيادية تلك، وقد اصبح مطلوبا من الإعلام أن يردد بيانات الدولة فقط؟!
المادة 36، والتي جرى نصها على أنه: (يحظر تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بإذن من رئيس المحكمة المختص، ويُعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل من خالف هذا الحظر)
هذا النص يتعارض مع مبدأ علانية الجلسات وأن تكون سريتها بقرار من المحكمة، فجعل النص هنا أن المبدا هو السرية، والاستثناء هو العلانية، مخالفا بذلك الأصل العام وهو علانية الجلسات.
– ومبدأ علانية الجلسات أو ما يطلق عليه بعض الفقهاء علانية المحاكمة، يعد ضمانة من الضمانات الأساسية لحقوق الدفاع, ويعني تمكين جمهور الناس بغير تمييز من الاطلاع على إجراءات المحاكمة والعلم بها, وأبرز مظاهره السماح لهم بدخول القاعات التي تنعقد فيها الجلسات والاطلاع على ما يتخذ بها من إجراءات, وما يدور فيها من مناقشات, ولمبدأ علانية الجلسات سند سياسي مرده الحرص على إشراك الشعب في المسائل التي تهم الرأي العام في المجتمع, وتمكينه من الاطلاع عليها, باعتبار أن حق الجمهور في الحضور هو تعبير عن إشباع شعوره بالعدالة, ويعني ذلك أن المحاكمة ليست أمرا خاصا يدور بين المتهم والمحكمة, ويكفل هذا المبدأ إنهاء المحاكمات السرية التي كانت, فيما مضى أحد مظاهر الاستبداد السياسي.
– وعليه فإن النص على عدم نشر المحاكمات في قضايا الارهاب يجعل الاستثناء هو الأصل والأصل هو الاستثناء!
وإلى اللقاء في الجزء الثالث..