آلاء الكسباني تكتب: أسطورة الرجل المصري "الوثيق" من الفوز

بدأت هذه الموجة السخيفة بإذاعة مباريات كأس العالم في البرازيل, حيث كانت الكاميرات تنتقل من الملعب إلى المدرجات لتصوير حسناوات الدول المختلفة، وهن يشجعن فرق بلادهن بكل حماس, تعاقبت التعليقات في الشارع المصري وعلى مواقع التواصل في إشادة أو لنقل تحرشا لفظيا واضحا بالفتيات الأجنبيات بشكل أثار اشمئزازي وحملني على استخدام خاصية \”إخفاء المنشور\” على الفيسبوك بشكل دوري وكثيف.

وما كادت أن تنتهي, ومع اندلاع الثورة السورية وهجرة الأشقاء السوريين إلى مصر هربا من بطش الطاغية الأسد, حتى لاحظت بداية الدعوة لانتشار زواج الرجال المصريين من الفتيات السوريات, مع إشادة كبيرة بحسنهن وجمالهن و\”طبخهن\”, ولم يقتصر الأمر على هذا, بل وجدت هذه الدعوة تنتشر وتتحقق بالفعل, حتي طالعني على الفيسبوك ذلك المنشور الذي حطم ما تبقى في فؤادي من كرامة وإنسانية, يتغزل فيه شاب مصري متزوج حديثا من فتاة سورية بخفوت صوتها وهدوء طباعها وروعة طعامها الذي يُسمن ويُغني من جوع, مُتفاخراً بإن هذه الزيجة لم تكلفه إلا النذر اليسير, وأن هذه الفتاة لم يكن لها أي طلبات سوى \”الستر\”, داعيا غيره من الرجال المصريين للزواج بسورية, إن لم يكن لكل هذه المميزات السابقة، فليكن للحصول على ثواب سترها وإكرامها!

تساءلت كثيراً, أي إكرام في استغلال ضائقة الناس المادية والأمنية والزواج من فتياتهن بما لا يليق بهن ولا بإنسانيتهن ولا بأهلهن؟! أي إكرام هذا الذي يجعلك تُسوق للزواج من فتيات دولة في محنة، فقط لأن طبخهن رائع ولأنهن هادئات الطباع؟!

حين لم أتوصل لإجابة شافية, تيقنت أنني بصدد كائن يتملك النقص منه ويمسك بتلابيبه, كائن يشعر أنه أقل قيمة من إنسانيته, يبحث عن خادمة بسعر زهيد, يمكنه أن يضاجعها ويستمتع بطعامها, ولن تكلفه حتى إرهاق عقله بالكلام ولا النقاش, فهي مُطيعة هادئة الطباع, لا تتحدث مُطلقاً!

ومع علمي باستمرار انتشار الظاهرة على هذا النحو البائس, إلا أنني لم اتوقع أن يتملك بؤس مجتمعنا المصري العظيم من رجالنا إلى هذا الحد, الحد الذي جعل الناشط اللبناني \”علي فخري\” يُهاجم الرجال المصريين على حسابه الشخصي على الفيسبوك, صارخا فيهم, مُنددا بكلامهم ومزاحهم على الفتيات اللبنانيات في الصور التي تم إلتقاطها للشعب اللبناني في المظاهرات السياسية الأخيرة, قائلا إنه لا يرى في كلام الرجال المصريين عن الثورة اللبنانية سوى \”مزحة عنصرية وذكورية سمجة\”, فلقد تركوا انتهاكات النظام لحقوق المتظاهرين من اعتقال وسحل وضرب, وركزوا على جمال الفتيات اللبنانيات وملابسهن, مُطالبين بوجوب نزولهم إلى ساحة الثورة في لبنان لكي ينوبهم من الحب جانب, بدلا من مُعاشرة \”الغفر\” المصريات, مؤكدا على أن قدرة الفتيات اللبنانيات على النزول إلى الشارع في المظاهرات بما يحلو لهن من ملابس، ليس إلا تأكيدا على تحضر الشعب اللبناني واحترامه للمرأة وعدم تحرشه بها, على عكس ما يحدث للمرأة \”الغفر\” في مصر.

جعلني هذا اتساءل أيضاً, إذا كان الرجل المصري يرى الأنثى المصرية دميمة, فلماذا يصر على التحرش بها حتى وإن كانت منتقبة؟ وإذا كان الزواج من اللبنانيات الحسناوات هو جُل أمانيه, لما تشعر المرأة المصرية حين تسير في الشارع أن عيون الرجال المصريين تخلع عنها ملابسها, تنتهكها بكل أريحية, بل وتُشعرها بأنها السبب الأول والأساسي في التحرش؟

لم أجد إلا النقص والبؤس, النقص اللعين الذي مازال يتملك رجالنا, وينخر في شخصاياتهم كالسوس!

أنا أعلم جيدا إن الزواج في مصر ليس باليسير, وأن الشبكة والشقة والمؤخر والنيش وتقاليد الزواج المصرية البائسة يغمضون أعيننا عن الحقيقة, يسحبوننا دون أن نشعر ويربطوننا في ساقية تدور وتدور ولا تقف أبدا, لكنني لا أجد الحل السحري في أن يتزوج الرجل المصري من سورية شتتها الأوطان وغرّبتها دماء الأهل والأقارب، لمجرد أن تكاليف الزواج منها قليلة, لأن هذا العذر أقبح من الذنب!

إن أغلب الرجال المصريين –ليس جميعهم- يبحثون في شريكة حياتهم –هذا إن صح استخدام كلمة شريكة الحياة هنا- عن الزوجة المطيعة والطباخة الماهرة والآداة الجنسية الكاملة, إنهم لا يبحثون عن فتاة يمشون معها مشوار حياتهم, يهنأون بالعيش بقربها, إنهم أكثر بؤسا وتخوفا من أن تشاركهم حياتهم فتاة مُثقفة أو عالمة أو مستقلة, يشعرون بالغيرة والتهديد من نجاح زوجاتهم, لذلك هم يبحثون عن نموذج معين من الزوجات, نموذج شاهدناه في الفيلم الأمريكي \”الزوجات في ستيبفورد\”, من بطولة نيكول كيدمان وماثيو برودريك, حيث تتحول الزوجات الناجحات الطموحات إلى ربات منزل مطيعات ذوات قصة شعر رتيبة مملة, يطبخن ويعملن على راحة أزواجهن, بعملية غسيل مخ بسيطة!

إن أغلب الرجال المصريين –وليس جميعهم- ينبهرون بحسناوات العالم, البرازيليات, اللبنانيات, الإيطاليات, ويلقبوننا نحن المصريات بالغفر, مُتناسين أنهم السبب الرئيسي في دمامتنا, مُتناسين أننا نقف يوميا أمام المرآة, ننظر إلى أجسادنا بغضب وكره وجرح عظيم, نطمس معالم أنوثتنا بكل ما أوتينا من ملابس, نغض الطرف عن صورنا في المرآة، في محاولة مستميتة منا حتى لا نتذكر تفاصيل التحرش اليومية بنا, في محاولة بائسة منا حتى لا نرى مواضع اللمس والتحرش التي تركت علامات على أجسادنا, علامات غير مرئية لسوانا!

إن أغلب الرجال المصريين –وليس جميعهم- رغم معاناتهم من الضعف الجنسي نتيجة للطعام الملوث والهواء الملوث والماء الملوث, يتفاخرون بتجاربهم الجنسية البلهاء الواهية مع نساء العالمين, يرددون بقوة أمام المرآة: \”المصري طول عمره معروف بجبروته, وبقوته, وأنا وثيق من الفوز\”.

إن أغلب الرجال المصريين –وليس جميعهم- لا يعرفون شيئا عن معنى الحياة الزوجية, لم ييسمعوا يوما عن كلمة \”المشاركة\” صغارا, لم يتعلموا ربطها بكلمة أسرة, أغلبهم ينشأ عالة على عائلته, ثم على زوجته, ثم على مجتمعه!

وبعد كل هذا يفغر فاه أمام النساء العربيات والأجنبيات, ويسيل لعابه صائحا: \”جوزني البت دي وأديك خمسين بجرة\”!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top