سعيد طرابيك مواطن مصري، بسيط يعمل في مجال الفن \”ممثلا\” هو موهوب بلا شك، لكنه من الفئة التي لا تهتم بها الصحافه والإعلام إلا إذا ألم بها خطب أو شىء مهم وغير تقليدي غيّر من مجرى حياتها، فضيح لا قدر الله، أو جائزة فنية، أو تورط في جريمة، لكن ربما لا تلقي الصحافة وبقية وسائل الإعلام أي اهتمام، لأدواره وأعماله الفنية، فهو يقف في منطقة الوسط أو دونها، في مستوى الشهرة، ربما يكون أول أدواره التي لفتت نظري، واحتمال نظرك أنت أيضا، عندما لعب شخصية وكيل النيابة، في مسرحية \”شاهد ماشافش حاجة\”، وكان يسأل عادل إمام \”إنت اسمك سرحان عبد البصير ولا سرحان عبد النصير؟\” وارتعد سرحان وعجز عن الإجابه، فهدأ وكيل النيابة من روعه، وأخبره أنه جاء المحكمة شاهدا، وليس متهما! مسرحية \”شاهد ماشفش حاجة\”، ربما تكون الأهم في تاريخ عادل إمام، والأكثر انضباطا، وقيمة، وربما يكون سعيد طرابيك، قد لفت الانتباه من خلالها، بعض الشىء، لكنه لم يقفز، إلا في مكانه، بينما أصبح عادل إمام، زعيما لطائفة النجوم والفنانين، سواء وافقنا على هذا التصنيف أم لا، لكنه الواقع على أية حال الذي ارتضاه من يعملون في مجال التمثيل، بمجالاته المختلفة \”سينما ومسرح وتليفزيون\”، أما طرابيك، فيصعب أن تذكر له أدوارا مختلفة، أو تعرف مثلا هل شارك هذا العام في أي مسلسلات تليفزيونيه أم لا؟ وإن غاب عدة مواسم بدون عمل، ربما لن يلفت انتباهك غيابه، ليس لعيب فيه أو فيك، لكن ربما لأن الصحافه لا تولي الاهتمام الكافي بمن يقفون في منطقه الوسط.
أنا شخصيا، استمتعت بمشاركته في أحد مسلسلاتي، وهو تاريخ حياة أحد اللصوص، الذي تحول اسمه -بقدرة قادر- إلى سنوات الشقاء والحب، بناء على توصية من وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف، ولم يشفع للمسلسل أنه مأخوذ عن قصه لإحسان عبد القدوس، وأنه العمل التليفزيوني الوحيد للمخرج الراحل أشرف فهمي، وكانت وجهة نظر صفوت الشريف، أن تاريخ حياه أحد اللصوص، ربما يسبب ألما ولغطا وارتباكا، لكل من على رؤوسهم بطحة، ويعتقدون أن المسلسل \”بيخبط فيهم\”، ونظرا لأنه كان ضمن المسلسلات المعروضه في رمضان 2001، فقد وافقت الشركة المنتجة \”صوت القاهرة\” على تغيير الاسم، دون الرجوع للمؤلف ولا المخرج ولا أي كان، المهم أن دور سعيد طرابيك، كان يشبه إلى حد ما، ما حدث معه بعد ذلك بعشرين سنة! فقد كان يؤدي دور بقال، يتزوج من فتاه تصغره بثلاثين عاما، وكانت سعيدة بزواجه منها، وعاشت معه في التبات والنبات!
أنا لا أعرف أي تفاصيل عن الحياة الخاصة لسعيد طرابيك، ولا لغيره، وفوجئت مثل معظم المتابعين بزواجه من فتاة تصغره بسنوات عديدة، لكنني دافعت عن حقه وحقها في الاختيار، ولم أنشغل كثيرا بردود الفعل المتباينة، ولا التعليقات السخيفة التي تناولت الحدث، بل اعتبرتها نوع من السفه والفراغ، الذي يعيشه معظم الشعب المصري اللي ما يصدق حكاية جديدة، يهري فيها، وربما كنت اشعر بالتعاطف مع الرجل، الذي اكتشف أن من حقه أن يفرح، ويعيش مع فتاه اختارها، واختارته.
لحد هنا، والموضوع منطقي تماما، ويمكن تفهمه، لكن ما حدث بعد ذلك هو بيت القصيد، فالرجل الذي لم يحقق شهرة خلال سنوات عمله الفني \”40 سنة\”، وجد نفسه فجأة محط اهتمام وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعى! إنه حدث يشبه صدمة الميلاد والموت، أن تكتشف أن عمرك ضاع دون أن يلتفت لوجودك أحد، رغم أنك تعمل في مجال يتيح لك الشهرة، معذرة لو وصفت ما حدث للرجل باللوثة العقلية، فقد أراد أن يتعامل مع الموقف، مثل العطشان الذي يمسك عود من القصب، ويظل يعصر فيه بأسنانه، ويلعق فيه بلسانه، ويلوكه لآخر قطرة، حتى تجف الزعزوعة تماما! فأخذ \”طرابيك\” يفرط في التصريحات الغريبة، التي لابد وأن تؤدي إلى استفزاز البعض للتعليق والهجوم، مرة يتحدث عن قصة حبه لزوجته التي طالت لأكثر من خمس سنوات، ومرة يصرح أنه يحلم بإنجاب إحدى عشر طفلا، تشبها وتيمنا بنبي الله يعقوب! وفي مساء الجمعه نزل ضيفا هو وزوجته على برنامج ليليان دواوود الذي تقدمه على أون تي في، ليتحدث عن خططه المستقبلية مع عروسه الشابة!
ياعم أنت مش في شهر العسل؟ ما تروح تشوف حالك، عشان تقدر تخلف أول عيل من الحداشر! طبعا هو يدري أن تصريحاته لابد وأن تضعه في مرمى السهام، وتجيب له الكلام، لكنه بالتأكيد يريد للناس أن تنشغل به، ولا مانع من أن تهاجمه وتشتمته، فهذا أفضل من التجاهل والسكون الذي كان يلف حياته فيما قبل، إنه حقا مسكين وسارقاه السكينة، فهو لا يعلم أنه مجرد لعبة أو نمرة جديدة، انشغلت بها وسائل الإعلام يومين أو ثلاث، لكن سرعان ما تملها وتبحث عن حكاية طازجة أكثر إثارة تشغل بها الناس.
أيام ويعود بعدها سعيد طرابيك إلى مكانه الطبيعي، في المنطقه التي تقع بين الظل والنور، ولن يشعر به أحد، إلا إذا أتى أمرا غريبا ومدهشا أو صادما.