(1)
الوعد ع الكل لا شيوعى ولا إخوان..
واللى قتل شهدى جلادك يا سيد قطب..
والموت خانات والخانات من خبثهم ألوان..
جزارة وإحنا غنم متعلقين م الكعب..
نجيب سرور – القصيدة الممنوعة
(2)
أعترف؛ أمتلك تلك العادة السيئة منذ زمن، أن يحدث موقف ما، فيندفع إلى رأسي بيت أو مقطع من أغنية شهيرة مرتبطة به، يظل عالقا بذهني لأيام، وقد تمتد لأشهر، حتى يحتل مكانه بيت جديد، يوجد به الشروط المطلوبة لذلك؛ موقف يقدح الذهن، وبيت مكثف للمعاني والمشاعر، فيظل البيت محملا بذكريات اللحظة.
كنت أتابع كغيري برامج التوك شوز مساء فض رابعة، أحاول فهم ما يمكن فهمه عن ذلك اليوم الكئيب منذ مطلع شمسه، حينها انتبهت لنظرات الأسرة المصوبة نحوي، اكتشفت أنني أردد من دون إرادة مني تلك الأبيات لنجيب سرور من قصيدته الممنوعة.
لقد سمعوني بوضوح فلا مفر، أصبحت عضوا مشكوكا في ولائه للجيش والوطن والثوابت داخل الأسرة، ولطخت تلك الأبيات الأربع التي كتبها سرور في خواتيم أيامه بذكرى اللحظة، بدماء الضحايا، والكراهية, والخوف، والعبث، والجنون.
ظل برأسي سؤال عالق، كيف حدث ذلك؟ لا أتكلم هنا عن الكيفية التي سمعت بها أسرتي الأبيات رغم خفوت صوتي، فهم أصحاب سمع حاد وسوابق في ذلك، لكن عن الطريقة التي تمر بها كل تلك الجرائم بسلاسة، كيف بكل هذه البساطة يستقبلون أخبار مقتل ما يقارب الألف مواطن منذ ساعات مضت ولا يزال القتل جاريا؟ من يضمن ألا يُكسر باب منزلنا الآن، ونصبح إرهابيين لقوا مصرعهم إثر إشتباكهم مع قوات الأمن؟!
(3)
امتنعت عن الذهاب للحزب قبل 30 يونيو بأسابيع قليلة، الأمر بات محسوما، فليكن الجيش بديلا عن حكم الإخوان.. لكن ما لم أتوقعه، أن يقوم بعض الزملاء بدور المبررين لإنتهاكات حقوق الإنسان، الإسلاميين ليسوا بشرا كي تصبح لهم حقوقا، ألا ترى كل هذه الدماء التي سالت على أيديهم؟!
الإستثناء والتعميم صار غطاء أي انتهاك، استثناء الإسلاميين من حقوق لا يكون بدونها حياة للبشر، والتعميم على أن جميعهم قتلة، فيصبح الانتماء السياسي جريمة في حد ذاته، تسقط بموجبها حقوقهم وحقوق آخرين، منهم من كان مؤيدا للنظام بالأمس القريب!
(4)
كان الإسلاميون دائما وإلى الآن في منطقة رمادية غير واضحة بالنسبة لحقوق الإنسان، عدد كبير منهم يرفضها باعتبارها منتج غربي، والمعتدلون منهم يقبلونها على أساس أن الإسلام تضمنها قبلهم، فلا فضل للغرب فيها، بل لديننا الذي يتضمن كل شيء، النظريات العلمية، قوانين الاجتماع البشري، قديمها وحديثها، كل شيء.
لا مجال هنا لتفنيد هذه الخدعة المنطقية، فالمهم هو أن الإسلاميين لم يكن لهم رأيا واضحا حول حقوق الإنسان قبل أو بعد الثورة، حتى أكثرهم اعتدالا، فحقوق الإنسان التي يتضمنها الإسلام، أو كما أولّوه، لا يتساوى تحتها المسلم وغير المسلم، السني والشيعي، التنظيمي، والمحب، وصاحب الرأي المخالف على السواء، ولا تكون بنفس المساحة من الظهور في خطابهم إلا إذا كان موجها للخارج لنزع المباركة السياسية، أو لغير الإسلاميين بهدف طمئنتهم من موقع حزب الأغلبية، أو لحظات الأزمة، في اللحظة التي تنهار فيها قواهم، يصبح للكلام –حينها عن حقوق الإنسان- الغلبة، يتخلله من حين لآخر شعارات طائفية لحشد مناصريهم، وخطاب المنصة لم ننساه بعد، وكأن حقوق الإنسان لعبة من ألاعيب السياسة، يمكننا أن نلوح بها بعض الوقت بغرض مصالح حزبية ضيقة.
(5)
لأن حقوق الإنسان ليست ترفا، لأنها صمام الأمان لأي مجتمع، جاءت خسائر 30 يونيو وما بعدها فادحة، أرقام لا حصر لها من القتلى والمصابين والمعتقلين، ظلم خيم على أرض كانت تنبض بآمال الثورة فأدماها وأخرسها.
تلاعب الجميع بالمسمى، ونسوا أهميته، ظنوه لهواً، مجرد مصطلح متحضر له وقع مؤثر على مسامع المستمعين في مؤتمرات فنادق الخمس نجوم، أمام الكاميرات، في اجتماعات القوى الوطنية.
بعد كل تلك الدماء المرشحة للزيادة، ينظر البعض للحقوق السياسية -الجيل الأول من حقوق الإنسان- على أنها حقوق من الممكن إسقاطها عن فصيل ما، فينجو فصيل آخر ويفوز بالسلطة، أو المشاركة فيها، أي سلطة تلك التي تمر على جثث المواطنين وتستمر!
ربما غدا عندما يوجه أحدهم مسدسه في وجوههم، سيدركون أن حقوق الإنسان إذا ما أصبحت ترفا نتغنى به فقط أمام الجمهور، سيصبح الوعد على الكل لا شيوعي ولا إخوان.