كل يوم اقرأ ما تكتبه السيدة راوية صادق لابنتها يارا سلام على حائط الفيسبوك، فينفطر قلبي, لم التقيها شخصيا ولم يسبق لي التعرف على ابنتها الشجاعة الصغيرة, لكنني اشعر تماما بها, الأم الشجاعة لكنها في النهاية أم, لابد وأنها تتفقد فراش ابنتها الصغيرة في كل مساء, تجده باردا تزداد درجة برودته كلما زادت أيام المعتقل, وكلما تفقدت برودته، كلما تسربت البرودة إلى قلبها.
يعادي النظام يناير وكل ما يمت إليها بصلة , لا أحد يفكر في آلاف الشبان الجدعان الذين يقضون أيامهم في سجون غير آدمية, بينما يجتمع وزير الداخلية مع مصطفى بكري ومرتضى منصور لبحث طريقة لحل ازمة حبس توفيق عكاشة (على خلفية قضية نفقة وتبديد مفروشات)! طبيعي أن يهتم وزير الداخلية بأزمة عكاشة لأنه من جماعتهم, بينما لا أحد يلتفت لشاب يقضي سنوات من عمره في السجن، لأنه تظاهر ذات يوم، ويتناسون أن رئيس الجمهورية ذات نفسه أتى إلى سدة الحكم على أسنة التظاهرات.
رفعت الدولة ميزانية مصلحة السجون هذا العام من 855 مليون جنيه إلى مليار و127 مليون, إنها تكلفة القمع الذي تدفعه الدولة راضية, فكروا معي.. مليار و127 مليون جنيه كان يمكن أن نبني بها كم مستشفى؟ وكم مدرسة؟ وكم مصنع؟ ونوفر بها كم فرصة عمل؟ ما حيلتنا إذن وهذه الدولة تحب القمع أكثر مما تحب الشعب؟ وتتصور أن القمع هو وسيلة الاستقرار, لا يفكر بهذه الطرق، إلا شاويش درك متوسط القدرات العقلية, أو شيخ بلد يحكم قرية جاهلة.
شباب نابهون يقضون أعمارهم في السجون, يارا البالغة من العمر 28 عاما حاصلة على ماجستير في القانون الدولي من جامعة نوتردام, كانت تستحق حياة تليق بعلمها وجسارتها, ربما لو لم تولد في بلد محكوم بالقمع، لكانت الآن تحتفل بزفافها إلى شاب وسيم، أو ربما تواصل دراستها للحصول على الدكتوراه, وربما تواصل تقديم انجازات علمية لبلد يستحق ابناءه الأحرار النابهين.
أما رفيقة زنزاتها سناء سيف، فهي في الثامنة عشر من عمرها, طفلة صغيرة روحها أكبر من حديد القضبان, كيف يسامح كائن ما كان نفسه حين يسجن كل هذه البراءة؟ هل يتصور ذلك السجان الذي ولابد أنه يشبه غولا أسطوريا جاء من القرون الوسطى، أن ذلك السجن سيكسر تلك الجسارة المتوقدة في العيون النابهة؟ ربما تذكره تلك العيون اللامعة بقصوره العقلي، فضلا عن عبودية الروح الذي يعاني منه, وكيف يكون إذن ذلك الوحش الذي يحتجز الصغيرات البريئات النابهات خلف قضبان قمعه؟
بينما اخوها الأكبر علاء عبد الفتاح في زنزانة مشابهة, يكبر ابنه خالد وهو بعيد عنه, لم يفكر علاء وزوجته منال في الإنجاب إلا بعد الثورة , أرادا أن ينجبا ابنا للحرية, لا للقمع.
بجوارهم محامية نبيلة هي ماهينور المصري, التي صارت أيقونة للشجاعة والانحياز للفقراء, يسجنها ذات السجان بتهمة التظاهر بدون الحصول على تصريح.
كثيرون خلف القضبان لا يتسع المقال لذكر اسمائهم, منهم من كان يسير في تظاهرة, ومنهم الصحفي الذي كان يقوم بعمله في تغطية المظاهرات أو ربما شخص برئ وشى به جاره أو زميله!
كل هذه ظلمات تنمو في بلادنا، حيث تمتلئ السجون بشباب وفتيات يستحقون الحرية، وتمتلئ البلاد ظلما, ولا أحد من طغمته المقربة يجرؤ أن يقول للغول إنه عينه حمراء وقبيحة، وهو يبدو كوحش يلتهم الصغار, لا أحد يجرؤ أن يقول له إنه لا يمكن أن يحكم وطنا حرا، بينما ابناؤه غير أحرار.