لا تكف الصغيرة عن الثرثرة, نسير في الشارع والجو حار بدرجة لا تحتمل, اصرخ فيها أن تكف عن الثرثرة، أخبرها أن \”خلقي ضيق\”, لا تفهم الصغيرة معنى ضيق الخلق، لكنها تصمت, اشعر بالذنب, فما حيلة الصغيرة إلا الثرثرة مع أمها كي تعرف كثيرا عن هذا العالم؟
ومن أين لها أن تخلق بهجتها الخاصة في رحلات المهام اليومية, ما بين زيارة طبيب وسوبر ماركت, ما بين مهمة وأخرى؟ القلب يسكنه السأم.
ليت الحياة تمنحنا كثيرا من الصبر والبال الرائق, ليتها تمنحنا بعض ما نستحقه من السلام كي نعطي الصغار ما يستحقونه من الدفء والسعادة.
في المساء تشدو وردة, تذكرني بطفولتي, كان خالي رحمه الله متيما بها, لذلك كنت أظنه عاشقا, كنت اتصوره دائما كبطل من أبطال أفلام الأبيض والأسود, متيما بالحب.. كنت إذا رأيته حزينا أو وحيدا اتصور أن ذلك بسبب آلام الحب, كنت صغيرة، ولم يتسن لي معرفة هل كان خالي عاشقا أم لا، لكنه تزوج وانجب وعاش في دوامة الحياة كالجميع حتى رحل.
تضخ وردة الحب في أغانيها بكرم وبوفرة, فتخلق بهجة كبيرة, كسحابة من غزل البنات الوردي, المشكلة في ليلتي هذه أنه فرح مستعار من زمن مضى, تذكرني بطفولتي حينا, وتذكرني بشبابي حينا آخر, لكن لا شئ ينتمي لتلك اللحظة, تخلف في نفسي أسى, لكنها تواصل الغناء كنهر من البهجة, وجوده ضروري وسط عالم قحل, كنهر منبت الصلة بالصحراء التي يجري وسطها.
لكن وردة وبرغم بهجتها الفارعة, فإنها تطلب من زمانها أن يعيد لها السنين التي ولت لتستعيد الفرح, فما بالنا نحن لمحزونون, كيف سننبت فرحنا القليل على سطح ذلك الزمن؟
انام مبكرا واستيقظ مبكرا, اتفنن في طهي الوجبات الصحية, اقضي النهارات كأم دؤوبة في تحقيق مطالب الابناء, اقرأ قليلا واكتب أقل واستمع لبعض الموسيقى, واسأل نفسي مرة أخرى عن البهجة؟ متى تسكن القلب فتصير كنبع فياض من الداخل, لا نهر مستعار يجري عبر الفيافي وقد يصل وقد لا يصل؟