حسام الخولي يكتب: متلازمة هاملت والنهايات العبيطة

\”كلنا يعرف أن الحياة ليست حريصة على جمهورها بالقدر الذي يتمتع به صانعو الأفلام.. لكن معظمنا لا يعترف لنفسه بهذا أبدا\”

– كل مشاهد ومتابع مخلص للسينما يدرك هذه المعلومة بشكل ما, النهايات السيئة دائما أقوى من النهايات السعيدة.. رغم أن هذا لا يمنع أي منا من الشعور بالحزن، بالذات إذا كان العمل جيدا وكان أبطاله الذين لاقوا نهايات مؤلمة قد تمكنوا من قلوبنا خلال مدته.

في الواقع فإن رأي كاتب هذه السطور المتواضع كان منذ فترة بعيدة أن أقوى النهايات على الإطلاق هي النهايات المفتوحة.. لعدد كبير من الأسباب ليس أولها أنها تجبر المشاهد على إبقاء العمل في ذهنه لفترة أطول، متسائلا ومتخيلا لنهاياته الخاصة.. وليس آخرها أنها تدل علي شجاعة كبيرة تُحترم من صانع الفيلم الذي فضل أن لا يمنح المشاهد راحة النهاية المغلقة الحاسمة سواء بالسلب أو بالإيجاب، مخاطرا بمشاهد غاضب لن يقبل عليه ثانية، ولن يرشح عمله لمعارفه وأصدقائه, في مقابل أن يعطيه شيئا ليفكر فيه ويمنحه جزء من ذهنه لفترة من الزمن.

تأتي بعد ذلك النهايات السيئة, الحزينة, التي تصور الانهزام التام للفكر/  الهدف الذي يعتنقه/ يتبناه البطل.. أو انتصار بشكل ما لهذا الفكر أو الهدف، لكن على حساب موت البطل أو انهزامه هو شخصيا، أو حتى موت البطل العبثي الذي لا طائل من ورائه سوى التنكيد على المفترجين.

لماذا تلك هي نهايات أقوى تصنع أفلاما أقوى؟ لأنها ببساطة أكثر واقعية.. أكثر قربا من الحقيقة الأرضية الرمادية التي نحيا فيها ونتنفس ترابها يوميا، بدلا من رائحة هواء التكييف الممتزجة برائحة الموكيت والفيشار ذو الكاراميل المميزة لقاعات العرض السينمائي.. لماذا ثانية؟ يأخذنا هذا إلى متلازمة هاملت الشهيرة.

لكن ليس قبل أن نؤكد علي أن النهايات السعيدة تتخذ مكانها في ذيل هذه القائمة, رغم أنها الأفضل بالنسبة للغالبية، لكنها تترك بعض الخدوش في منطق وعقل أقلية من أولئك \”النكديين\” الذين يفضلون التفكير على الشعور الجيد بالفرح الذي تصنعه.

يبقى شيء ما في غير مكانه, لأنه وإذا كانت الأزمة في الفيلم أو الدراما قوية، ستحتاج من صناعها إلى مجهود أكبر في لي عنق الأحداث من أجل الوصول بها إلى تخريجة سعيدة.. وستظهر آثار هذا المجهود على المُنتج النهائي، ولن يكون مظهرها جيدا بالذات لمن يهوى البحث عنها, أو لا يقدر على تجاهلها.

– \”هاملت\” كان أذكي من معظم الذين يعرفهم, كان أنبل.. أطهر وأكثر براءة, كان \”ابن ناس\” حقيقيا -كما نقول- رغم أنني لا أحب هذا المصطلح, رغم كل ذلك فإنه فشل في تحقيق الهدف الذي كان في البداية واضحا جدا أمامه ولا يحتمل دقيقة تردد (لمن لا يعرف, هاملت أدرك وتيقن أن عمه قام باغتيال والده الملك غدرا، ومن ثم استولى على عرشه وتزوج أرملته ووالدة هاملت).. على الأقل لم ينجح في تنفيذ الانتقام الذي أراده إلا بعدما وقعت مذبحة حقيقية قضت على عائلته بالكامل، وهو شخصيا إلى جانبهم. وأنا لا أسمي هذا نجاحا بضمير مرتاح، لكن الفكرة هنا، هي أن الواقع في حياتنا والذي صوره ببراعة العبقري القاسي \”شيكسبير\” على صفحات مسرحيته منذ أكثر من أربعمائة سنة.. أنه  ليس \”بالرغم\” من ذكاء هاملت ونبله وأخلاقياته كانت هزيمته أو على الأقل انتصاره المأساوي, لكن \”بسبب\” هذه الصفات حدث هذا.

لأنه وقع فيما وقع، وسيقع فيه مئات وآلاف من أشباهه.. حينما يتصورون أن قوانين الحياة يجب أن تعاملهم بشكل خاص، لأنهم أفضل ممن حولهم, بينما من حولهم بوضاعتهم وجشعهم وضيق أفقهم.. لا ينتظرون أية معاملة خاصة, وينتهزون الفرصة متى سنحت لهم، بل ولا تسمح لهم قدراتهم العقلية المحدودة بالتفكير المستغرق في سلامة ومنطقية وصحة كل خطوة,  فيكونون أكثر حسما وسرعة في العمل على اتخاذها, صحيح أن هذا يعني الفشل في الكثير من الحالات، لكن لأنهم أكثر عددا بكثير, فإن الناجحين منهم يكونون أكثر.. مثل الجنود الذين يموت منهم الآلاف في هجوم متهور وغير محسوب على موقع ما قوي ومحصن، لكن لأن عددهم بمئات الآلاف يبقى الكثيرون بعد ذلك للاحتفال بالنصر.

هل إذن كان \”هاملت\” مخطئا أو معيبا في شخصيته، مما أدى إلى فشله, ليس تماما، لكنه كان يجب أن يضيف إليها ربما بعضا من الحسم والقسوة، وأن يقلل من حسن ظنه بالعالم.. لعله كان في هذا نهاية مختلفة بالنسبة له, لكنها كانت ستصبح –دراميا- أضعف كثيرا.. ألا تظنون؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top