آلاء الكسباني تكتب: الحب في زمن "التايك آواي"

(1)

حكى لي أعز أصدقائي أنه دلف يوما مع حبيبته إلى محل أحذية لرغبتها في شراء حذاء, وأثناء بحثه معها على الحذاء المطلوب, لاحظ نظرة البائعات المُتفرسة الطويلة فيه, ولم يجد سببا لهذه النظرة!

وبعد أن خرجا, سألته حبيبته إن كان قد لاحظ نظرات البائعات, فقال: نعم، لكني لم أفهم السبب, فقالت له: لأن أغلب الرجال لا يذهبن مع زوجاتهن أو حبيباتهن للتسوق أو الشراء, وإن ذهبوا يتأففون طوال الوقت ولا يقدرون على تحملهن! ولذا فهو يُعد رجل فريد من نوعه, حلم لكل فتاة في مصر, ولهذا كانت نظرات البائعات المُستغربة المُتفرسة فيه.

قال لي: \”لم أشعر وقتها أني فعلت شيئا يستحق الإعجاب أو الإستغراب, ولم أجد مُبررا لما فعلنه, بل شعرت ببؤس الفتيات المصريات, فحين يتلخص حلمهن في رجل مُحب للتسوق مع زوجته أو حبيبته رغم علمه بأنها ستأخذه في رحلة لانهائية بين المتاجر وتذهب به إلى بلاد الهند والسند وتعود مجددا إلى مصر, يُعد هذا بؤسا خالصا!

(2)

برغم استماتتي لعدم التعرض لمنشورات صفحات المشاكل العاطفية والرومانسية على حسابي الخاص على الفيسبوك, لما يعتريها من جهل وتخلف بالعاطفة وبحقيقة المشاعر الإنسانية, ولما يعتريني من إحساس بالشفقة على أصحاب هذه المشاكل, إلا أنه بالأمس طالعتني إحدى هذه المنشورات رغما عني.

كان المنشور يحكي عن شاب وسيم يُدعى \”حمدي نصّار\”, يُقال إنه عارض أزياء أو لاعب كرة قدم أو ما شابه, لديه الكثير من المعجبات, لكنه تزوج الفتاة التي دق لها قلبه منذ زمن, حتى بعد أن تعرضت لحادث مؤسف أفقدها القدرة على الحركة وأقعدها على كرسي متحرك.

كانت أغلب التعليقات من الفتيات عن مدى \”رجولته\”, وكيف أن هذا الزمن لم يعد للمحبين أمثاله, فضلا عن تعليقات الكثير منهن بالحسد والغيرة, وتعليقات الرجال بالسخرية.

(3)

أحسست بعد رؤية هذه التعليقات بأنني أعيش في مجتمع ينخر فيه البؤس العاطفي وفراغ المشاعر اللعين كالسوس, أحسست بالفجعة من محتوى المنشور بتعليقاته, من اعتبار ما فعله هذا العاشق \”رجولة حقة\” مع إنه يُصنف كفعل عادي تمام ورد فعل مُتوقع من رجل عاشق! لكنني تذكرت أنني في مصر, حيث العاطفة والحب يُلقبان بالـ \”مُحن\”, وحيث الرجل يترك حبيبته التي انتظرته أعواما ليكّون نفسه بعد أن أتمت الثلاثين من عمرها, ويبحث عن فتاة أصغر, ليسرقها من حبيبها الشاب, ويتزوجها في إطار زواج عائلي في صالون بيت أهلها, ليعيش معها شبابه المفقود!

حيث الرجل يتزوج بأخرى إذا مرضت زوجته, وحيث المعيار الأول عند أغلب الفتيات في اختيار شريك الحياة هو الرصيد في البنك.

أنتم جميعا مشوهون! شوهتم مفاهيم الحب والعشق وخلطتموها بمعاييركم البائسة.

معايير الرجولة التي يضعها المجتمع الشرقي ويُفصلها على مقاسات رجاله, فيجعلهم ينظرون للحب على أنه \”مُحن\” غير جائز، يُقلل من ذكورتهم الواهية ويعطيهم وضعا أكثر صلابة وقوة, يجب ألا يُظهر لها حبه حتى لا يُقال عنه أنه ليس رجلا, يجب أن يظل جامدا غير عابئ بمشاعرها لكي يكتسب احترام الآخرين!

إننا نعيش في مجتمع يسخر من الرجل إذا انتحى بهاتفه جانبا ليُحادث حبيبته بحب, يسخر من نظرات الرجل العاشق, يعتبر العشق إثم من شيم النساء!

إننا نعيش في مجتمع تتربى فيه الفتاة منذ الصغر على أن الرجل لا يُعيبه سوى جيبه, وأن الغني القاسي الذي يضربها ويحطم أحلامها ويمحو كيانها خيرا وأحب من الفقير الذي يسعى معها لتحقيق الأحلام, تتربى على أن رجلا في حياتها هو عريس مُحتمل إلى أن يثبُت العكس, تتربى على أن تُوقع في شباكها السمكة الأكبر حجما في البحر.

مجتمع ينشئنا على الحب السريع, الـ \”تايك آواى\”, على أن يُخطب اثنان لبعضهما البعض بعد الجلوس معا ساعة في صالون أحد الأقارب, لتمتلأ حساباتهم على الفيسبوك في اليوم التالي بكلمات العشق والوله والهيام, وليقع الطلاق بعد الزواج بعام واحد فقط, وربما أقل!

(4)

\”أنا بتكلم عن الحب المثالي.. عذريته, رومانسيته, بلمسة الطُهر اللي فيه, بروح الشاعرية اللي جواه.

زمان, كنا بنحب زي ما بنقرا شعر أو نسمع مزيكا أو نتفرج على لوحات ناجي وصبري ومحمود سعيد, كانت لمسة من الإيد, مجرد لمسة, تغيبنا عن الوجدان, النظرة من العين تسهرنا للفجر, ورعشة الكلمة الحلوة على الشفايف تبكينا.

تصوري.. أننا كنا بنخاف من القرب أكتر ما بنخاف من البعد، وفي البعد نرجع نحّن تاني, كانت الأشياء البسيطة جدا في الحياة ليها قيمة كبيرة جداً.

أغاني أم كلثوم كنا نقعد نسمعها بالساعات مانتكلمش خالص, وفي نفس الوقت بنقول كل حاجة!

عشان كده الحب كان بيفضل ويعيش مهما فصلت بين المُحبين بلاد أو فرقت بينهم جبال حتى\”

هكذا يصف أسامة أنور عكاشة الحب علي لسان القدير محمود مرسي في مسلسل \”أبو العلا البشري\”, لم أر وصفه هذا للحب مثاليا أفلاطونيا أو خارج من عالم اليوتوبيا الحالمة، على عكس الكثيرين من أبناء جيلي في هذه الأيام, كنت ولازلت أوقن واؤمن بأن هذا الحب موجود, لكننا ابناء القرن الحادي و العشرين، لا ننال منه إلا النذر اليسير الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع, أتدرون لماذا؟

\”لأنكم شيلتوا الفواصل, كسرتوا الأسوار، واختصرتوا المسافات, اتحول الحب بينكم لاتفاق سريع ومباشر, كل حاجة فيه سهلة, المقابلة والتلامس والاندماج, مبقاش في حاجة غالية ولا عزيزة أبدا, مبقاش حتى يستحق المحاولة, بقى زي الساندويتش، تاكلوه في السكة وتهضموه قبل ما توصلوا\”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top