إيهاب مجدي عثمان يكتب: أنا مظلوم – مسرحية من فصل واحد

يفتح الستار

(١)

خشبة المسرح مظلمة. تسمع أصوات منتظمة لطرق أدوات نحاسية في موسيقى شبيهة بالموسيقى العسكرية.

تضاء أحد الأنوار فتظهر دائرة من نور في أحد جوانب خشبة المسرح. في دائرة النور يجلس على أرض المسرح شاب يرتدي ملابس السجن الزرقاء. يجلس الشاب ضاما ساقيه إلى صدره محيطا ساقيه بذراعيه ودافنا رأسه بينهما.

تتوقف أصوات الطرق.

يسمع صوت مفاتيح تدور في قفل حديدي. يرفع الشاب رأسه.

يسمع صرير باب يفتح وصوت خطوات تقترب. يدير الشاب نظره باتجاه القادم دون أن يغير جلسته.

يدخل في دائرة الضوء رجل يرتدي زي الشرطة الأبيض. يقف الشرطي منتصبا بالقرب من الشاب. يتحدث الشرطي بلهجة حادة جادة بينما ينظر أمامه. لا تتغير نظرته ولا درجة صوته. لا ينظر إلى الشاب. يتحدث الشاب في لهجة متضرعة أقرب إلى البكاء.

الشرطي: عذرا لقد حانت ساعتك. هلم للمحاكمة.

الشاب: أمهلني فقد فاجأتني.

الشرطي: بل الآن.

الشاب: دقائق معدودات.

الشرطي: قد انعقدت المحكمة.

 

يطفأ النور فتظلم خشبة المسرح كلها وتعود أصوات الطرق.

(٢)

تضاء أحد الأنوار فتظهر دائرة نور جديدة في الجانب الآخر من خشبة المسرح. في الدائرة منصة خشبية موضوعة على مستوى أعلى من باقى أرضية المسرح. يجلس خلف المنصة على كرسي كبير رجل يرتدي زي القضاة الأسود.

يدخل في دائرة الضوء الشرطي والشاب. يقف الشرطي منتصبا بالقرب من الشاب. بينما يقف الشاب وأكتافه مرخاة. يبدو عليه الضعف وعلى وجهه الحزن.

تتوقف أصوات الطرق.

يتحدث القاضي في غضب ويتحدث الشاب في تضرع.

القاضي: تقدم.

الشاب: سلام عليكم.

القاضي: لا سلام عليك.

الشاب: هل حكمتم من قبل أن أحاكم؟

القاضي: إن تجاوزت في حق المحكمة استحققت مع الحكم حكما.

الشاب: العدل أطلب.

القاضي: لقد تجاوزت. وبالعدل حكمنا عليك بالعقاب جزاء مستحقا لك.

الشاب: هذا ظلم.

القاضي (في صوت مرتفع): رفعت الجلسة.

يطفأ النور فتظلم خشبة المسرح كلها وتعود أصوات الطرق.

(٣)

تضاء الأنوار في منتصف خشبة المسرح فتظهر دائرة نور كبيرة. في الدائرة يجلس على الأرض -متفرقين- عدد من الأشخاص في ملابس زرقاء.

يدخل الشاب في دائرة الضوء سائرا في بطأ. يتوقف في منتصف الدائرة.

تتوقف أصوات الطرق.

يحدثه شيخ كبير السن ذو لحية بيضاء.

الشيخ: تعال يا زميل السجن.

يتوجه الشاب إليه ويجلس بمواجهته. يتحدث الشيخ في هدوء بينما يتحدث الشاب في ضيق.

الشاب: لقد ظلمت.

الشيخ: وهل هنا من لم يظلم!

الشاب: أنا مظلوم. أنا برئ.

الشيخ: ولم العجب وهذا سجن للأبرياء قد خصص.

الشاب: أبرياء؟ كلهم؟ بل لابد منهم من أجرم.

الشيخ: إسأل ترى.

الشاب: لا بد منهم من أجرم. وأنا لم أفعل.

الشيخ: إسأل.

الشاب: مالي حاجة في السؤال. أنا أعلم.

الشيخ: إسأل.

تسمع أصوات الطرق ويقوم الشاب متثاقلا ليقف مرة أخرى في منتصف الدائرة.

يتلفت في اتجاه المسجونين الجالسين. ثم يتجه نحو أحدهم في مثل سنه ويجلس بمواجهته.

تتوقف أصوات الطرق.

يتحدث المسجون في ضيق واضح بينما يتحدث الشاب في هدوء وأدب.

الشاب: يا سيدي. لم سجنت؟

المسجون: لقد ظلمت.

الشاب: إحك لي.

المسجون: أنا مظلوم.

الشاب: كيف ظلمت؟

المسجون: مالك وحكايتي؟ إنصرف عني. من أنت؟

الشاب: أنا مظلوم.

المسجون: بل تبدو معتاد الإجرام. إنصرف عني قلت لك. مالك بي؟

الشاب: في السجن وحدة وفي الحوار مؤانسة.

المسجون: لا أرتاح لك ولا أريد حوارك.

الشاب: كلمات قليلة.

المسجون: إنصرف عني.

تسمع أصوات الطرق ويقوم الشاب متثاقلا ليقف مرة أخرى في منتصف الدائرة.

يحدثه الشيخ مرة أخرى.

الشيخ: تعال يا زميل السجن.

يتوجه الشاب إليه ويجلس بمواجهته. يتحدث الشيخ في هدوء بينما يتحدث الشاب في ضيق وغضب.

الشاب: ماذا تريد؟

الشيخ: هل وجدت في السجن غير الأبرياء؟

الشاب: في السجن مجرمون.

الشيخ: هذا عناد.

تسمع أصوات الطرق منخفضة بينما يستمر الحوار.

الشاب: أنا مظلوم. أنا مظلوم.

الشيخ: قلت لك كل من في سجننا مظلوم.

الشاب: أنا مظلوم.

الشيخ: وكل من في سجننا مظلوم.

يطفأ النور فتظلم خشبة المسرح كلها وتعلو أصوات الطرق وتستمر لعدة ثوان ثم تتوقف.

يغلق الستار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top