نحن نعيش مرحلة: \”لو مش حتطبّل معانا تبقى خاين\”، وفي بعض الأحيان: \”لو مش حتطبل معانا تبقى أكيد إخوان\”، وستعجز عن إقناعهم بأنك مش إخوان مسلمين ومش مسلمين حتى أصلا, لكن في عقلهم الباطن لا تفسير لعدم مشاركتك في التطبيل، غير إنك إخوان!
أحسد جميع أصدقائي الذين وصلوا لمرحلة مرتفعة جدا جدا من الثقة العمياء في النظام وقراراته وتصرفاته، ومؤمنين تماما أن كل ما يفعله النظام -مهما كان – عادي جدا أو اقل من العادي، أو حتى يعتبر فاشل للعين المجردة, هو إنجاز تاريخي، ولا يكتفون بهذا المستوى المريب من الثقة, لكنهم يريدونك أن تشاركهم في هذه الثقة العمياء دون أي مجادلة أو مناقشة.. مجرد محاولتك للوصول لبعض المعلومات الموثقة عن أي مشروع أو إنجاز حكومي هي علامة على أن الإخواني الذي بداخلك هو من يدفعك لمثل هذه الأفعال المشينة والأفكار الهدامة.
تصميم غريب على أنك يجب أن تتجاهل تماما سنين التعليم ومئات الكتب التي قرأتها، وعن طريقة تفكيرك التحليلية، وتمارس معهم متعة التطبيل المطلق.
وحتى عندما تُعلن أنك عجزت عن العثور على معلومات كافية حول المشروع القومي العملاق، لذلك قررت عدم التعليق, قرروا هم أن يجدوا تعليق شخص آخر ينسبوه إليك، ويقسمون إنك مؤيد لنفس الكلام، ويحاسبونك عليه!
تحاول أن تقنعهم بجمل منطقية من عينة: \”أنا مال دين أمي بكلام وجدي غنيم؟؟؟؟\”، لكن بلا جدوى!
مجرد محاولتك لأن تسأل أسئلة مثل: لماذا 13.5 مليار تحديدا هي عائد قناة السويس الجديدة؟ ولماذا تحديدا ستصل لهذا الرقم في عام 2023؟، تعرضك للهجوم والتخوين!
تحاول أن تجد أي معلومات معتمدة حول قناة السويس الجديدة على الإنترنت، فلا تجد, وبمجرد أن تعلن أنك لا تجد معلومات، تتم مهاجمتك، واعتبار أنك لا تحب البلد، وتريد تشويه صورتها!
ينتظر الجميع منك أن تنشر صورا وشعارات على صفحتك على الفيسبوك، ويتعجبون جدا عندما يجدونها خالية من أي مظاهر للاحتفال بالمشروع العملاق الجديد، وكأنك مطالب بأن تحتفل، حتى وإن لم تفهم ما هي دواعي الاحتفال!
تحاول أن تقنعهم أن لك تجاربا مع هذا النظام – من قبل – لا تدعو للثقة العمياء والاحتفال بدون أن تفهم ما تحتفل به.. يعني مثلا لو كنت قررت أن أحتفل بجهاز الـ \”سي سي\” لعلاج الإيدز, ماذا كان سيصبح موقفي أمام نفسي بعد أن ثبت أن الموضوع كله اشتغالة وكذب في كذب، وانتهى بأننا أصبحنا أضحوكة العالم؟!
مشروع الكفتة كان يتمتع بكل مقومات المشروع العملاق الذي يجب أن تلتف حوله جميع فئات الشعب، فهو مشروع تحت رعاية الجيش المصري, تم الإعلان عنه من قبل لواء في الجيش على منصة تحمل شعار الجيش.. يعني انتفت عنه جميع عناصر الشكوك لمن هم يثقون في النظام، ومهما تكلم الأطباء والمختصون عنه، كان يتم مهاجمتهم وتخوينهم أيضا.. أين ذهب مشروع الكفتة حاليا؟ انتهى بفضيحة عالمية.
أنا لا أشكك في مشروع قناة السويس الجديدة, فهو بحسب المعلومات القليلة المتوفرة، هو حفر جزء من قناة السويس بطول 35 كيلومتر من إجمالي 190 كيلومتر طول قناة السويس الكاملة.. طيب تمام, يعني هو من حيث المبدأ تم إنشاؤه لتحسين الوضع الحالي.. لماذا نحن مطالبون بالمبالغة في الاحتفاء الأسطوري والتعرض للتخوين إذا لم نبالغ في الاحتفاء؟! هو تحسين مقبول ويشكرون عليه, لكن لماذا يجب أن يتحول إلى مظاهر مبالغ فيها من التطبيل؟
بحسب تصريح الرئيس السيسي نفسه, فإن المشروع حين عُرض من حكومة الإخوان, كان المشروع هو حفر قناة كاملة موازية بطول الـ 190 كيلومتر, لكن السيسي ورئيس قناة السويس رفضوا المشروع بحجة الدواعي الأمنية وقرروا الاكتفاء بـ 35 كيلو فقط.. أنا لا أدافع عن مشروع مرسي, لأنه هو أيضا أخذ الفكرة من مشروع قديم ينسب في فكرته لـ حسب الله الكفراوي، وتم تناسيه على مر السنين حتى استحضره مرسي.
والجدير بالذكر هو أنني قمت بانتقاد حكومة الإخوان حين طرحوا المشروع، لأن الكلام كان عن استثمار قطري، وكنا نعتبر أن هذه فكرة مرفوضة تماما.
المصيبة الآن هو أنك عندما تظهر انتقادك للمشروع الحالي، يتم اتهامك بأنك إخوان! طب إزاي يا جدع؟!
المرحلة التي نعيش فيها الآن هي مرحلة التطبيل الإجباري.. التغريد خارج السرب حاليا لن تكون نتيجته مجرد تجاهلك, بل سيكون اتهاما مباشرا بالخيانة.. مرحلة خطيرة جدا تعيد لنا ذكريات الستينيات ودولة عبد الناصر، والتي نعرف جميعا كيف انتهت بعد سنوات من الكذب.. كون أنك تطلب معلومات إضافية قبل أن تبدأ في تصديق كل ما يقال حول المشاريع العملاقة، هو ظاهرة صحية، والقضاء عليها علامة خطيرة على تدهور الحال وإثبات أن النظام هش يخشى من الأقلية التي تريد أن تفهم ولو قدر قليل.
أتركونا نسأل, أتركونا نبحث عن الحقيقة, لو فعلا قلبكم على البلد وتريدون مصلحتها، اتركوا القلة القليلة هذه تمارس أقل حقوقها في المعرفة.. من لا يريد التطبيل، أتركوه دون اتهامات وتخوين.. أرجوكم.