\”مذكرات فتاة الغيشا\” , من أحب الأفلام إلى قلبى, ليس فقط لأنه مزيج رائع بين الحياة اليابانية والأمريكية, وليس فقط لأنه مأخوذ عن رواية أكثر منه جمالا, وليس فقط لأنه يُجسد معاناة المرأة الحالمة بالحب, لكن أيضا لأنه يصلُح لكل امرأة مهما اختلفت مع البطلة في الزمان والمكان , فهو يمس برقة قلب كل امرأة تشاهده, حتى ولو لم ترقص في حياتها قط!
يحكي لنا \”مذكرات فتاة الغيشا\” عن فتاة يابانية فقيرة تُدعى شايو, تبيعها أختها كأمة لعائلة غنية من أجل المال, فتفر بحياتها من ذلهم.
تُقرر شايو أن تهرب لتصبح \”غيشا\”, والغيشا في اليابانية تعني مغنية وراقصة, وفي زمنا كانت الغيشا مشهورة فيه بسوء السمعة ومرافقة الرجال ذوي النفوذ, تُفاجئ شايو بنظرة اليابانيين والأمريكيين، خصوصا الأغنياء والساسة والقادة منهم إلى الغيشا على إنها عاهرة, سواء أكان لها علاقات أم لا, فقط لأنها ترقص!
ترفض شايو الاستسلام لنظرات المجتمع واغراء رجال النفوذ لها بالمال ومحاربتهم إياها لرفضها مجاراتهم, ليقع قلبها في الحب, وتتوالى أحداث الفيلم في إطار مشوق للغاية ونهاية تُبكي ذوي القلوب الضعيفة.
تذكرت شايو وأنا أشاهد البارحة فيديو على الفيسبوك لفتاة ترقص حافية القدمين وسط حلقة من النساء, وإذا تمعنت عزيزي القارئ في المشهد تستشف أن هذه ما هي إلا حنة أسفل منزل عروس.
ترقص الفتاة بكل حيوية ونشاط, تشعر أنها أقرب صديقات العروس وأنه يقع على عاتقها أن تُحيي لها ليلتها, لكن لا أعتقد أن هذا ما رآه باقي المجتمع المصري المريض الذي نعيش ولا نحيا فيه.
رأى مجتمعنا فتاة الحنة, كما رأى اليابنيون شايو, عاهرة, وبالرغم من أننا كمصريين إذا رأينا الرقص الذي تمارسه شايو سنسخر منه كثيرا، ومن أي شخص اعتبره عُهر لأنه يماثل الرقص التعبيري! وبالرغم من أنه إذا رأى يابانيو هذا العصر فتاة الحنة سيشعرون بأنها لا تمارس أي عُهر, إلا أننا تماثلنا معهم في نفس النظرة الضحلة والمبدأ القذر.
لا أعرف حقيقة سر اعتبار الرقص عُهر! حاولت أن استشف كثيرا المغزى من وراء هذه الفكرة, وكيف تعمقت جذورها إلى هذا الحد, لكنني لم أفلح ولم أصل لنتيجة حقيقية!
يعتبر المصريون أي امرأة ترقص عاهرة, سواء تمتهن الرقص الشرقي أو تمارسه كهواية في الأفراح والمناسبات, لكنني لم أندهش كثيرا بعدما رأيت ما تفعله الدولة بالراقصات أمثال بارديس وشاكيرا , وكيف تقبض عليهن بتهمة ارتداء الملابس الخليعة ونشر الفجور!
حين سمعت هذا الخب , أحسست أن هذه أغبى تهمة في العالم! أن يُتهم شخص يمتهن عملا قانونيا بعمله هو بمثابة العمل بمبدأ عادل إمام في \”شاهد ماشفش حاجة\” حين قال: \”هي كانت رقًاصة وبترقص\”!
مرادف راقصة في اللغة العربية الفصحي, امرأة تمتهن الرقص, ومثل أغلب الأعمال التي تتطلب \”يونيفورم\”, عملها يتطلب منها أن ترتدي بزة للرقص, ماذا تريد أن ترتدى؟! وكيف تنشر الفجور برقصها من الأساس؟! لماذا لم تنشره سامية جمال أو كاريوكا؟! مع فارق القياس في الموهبة طبعا.
لماذا تُصر الدولة على ممارسة دور الأب الذي يُشفر قنوات القمر الأوروبي لأن لديه أبناء في سن حرج؟! ألسنا كبار بدرجة كافية لأن نشاهد ما نريد؟! إذا كان الأمر هكذا فلما لا نُعيد قوانين حماية القيم من العيب التي فرضها السادات بحجة تشويه سمعة معارضيه؟! ونضرب عصفورين بحجر واحد, حبس الراقصات اللائي يرفضن مجاراة النظام في استغلالهن كعاهرات وتشويه المعارضين!
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتهم فيها شعبنا الحبيب المُتسق مع ذاته غير المزدوج إطلاقا فتاة ترقص بالعُهر, من قبلها اتهموا المرأة التي رقصت في \”دريم بارك\” والتي استضافتها بعد \”الحادثة\” السمجة ريهام سعيد سائلة إياها سؤالها المُعتاد \”مش ندمانة؟\”!
لدي يقين قوي, أنه إذا كان هذا الفيديو لشاب يرقص لما كانت كل هذه الترهات اللانهائية انتشرت لتُغرق الفيسبوك في سيل من المشاركة والتعليقات! العيد الماضي كان الشباب يرقصون بأسلوب أكثر فجاجة وسوء في الشارع على أنغام المهرجانات, ولم أر أي اعتراض أو اتهام بالعُهر وتشويه القيم وسحق الأخلاقيات تحت أقدامهم
لماذا يشغلكم جسد المرأة كثيرا؟! لماذ تضعونه دائما محورا مهما لمجرى الأحداث؟ لماذا تُفسر أغلب أفعال المرأة في مجتمعنا تفسيرل جنسيا وضيعا؟
لماذا تهتمون من الأساس بفتاة مغمورة ترقص في حنة؟! لماذا تهتمون بفتاة قررت أن تخلع حجابها أو أن ترتديه مع أنها هي من ستقف بين يدي الله ليجازيها على أعمالها ومع أنكم لن ترتدونه أبدا؟ لماذا تتهمون امرأة سارت تغني بصوت عال في عرض الطريق بالرغبة في لفت أنظاركم وفي نشر العُهر بينكم؟
أحب أن أفاجئكم.. إن الكون لا يدور حولكم!
وكلامي هنا موجه للذكور والإناث الذكوريات على حد سواء, الإناث اللائي امتلأ الفيسبوك بتعليقاتهن على فتاة من بني جنسهن يتهمنها بالعُهر والمجون! الإناث اللائي يطبن لهن العيش تحت عباءة الرجل, المازوخيات مُحبات العيش تحت أغلال القمع.
لقد رضيتن بالعيش في هذا المستنقع سعيدات هانئات, من فضلكن لا تُنظرن لأحد! اتركن للباقيات حرية اختيار أسلوب الحياة كما اخترتن أنتن حياتكن!
اجلسن تحت اقدام أزواجكن, قلمن أظافرهم, اصبرن على الخيانة والبصبصة والضرب والاعتداء الجنسي، وقلن أنه ابتلاء من الله, واتركن لنا الرقص.
لن نكف عن الرقص مهما اتهمتمونا بالعُهر, وسيظل الرقص جزء من طبيعتنا الأنثوية, سيظل ينحت في منحنيات أجسادنا كمياه هادرة في صخور شلال عتيق, وياللي نهيت البنت عن فعلها قول للطبيعة كمان تبطل دلع!