هالة عمر تكتب: "رد قلبي".. وذكريات مختلطة

 

في يوليو 2011 عرض فيلم \”رد قلبي\” قبل عيد الثورة بعشر أيام على خلاف التراث الإنساني المتوارث منذ أحقاب، وهو أننا نقضي يوم 23 يوليو مع علي وإنجي والريّس عبد الواحد مهما طال الزمن.

تصادف أنه في نفس السنة أعلنت مجموعة \”ما\” العصيان العام يوم 23 يوليو.. من يومها، بدأت مظاهر الحسنيّين، الحكم العسكري والحكم الديني اللي دايما يزاولوني، تظهر وتشعشع يوم بعد يوم، كما لعبت فلول الفئران والأذناب في عبّى لما شبعت، لدرجة إنى حسّيت إن التاريخ بيشاور عقله إنه يعيد نفسه.

زي كل الأعياد 23 يوليو له طقوس، كان منها حفلات غنائية وخطبة واحتفالات، مافضلش منها غير يوم الإجازة الرسمية وفيلم \”ردّ قلبي\”.. اتفرجت على الفيلم ده عددا لا يحصى من المرّات، كل مرة يلهمني أفكار ومشاعر جديدة، أبسطها طبعا المقلب اللي علي عمله في نفسه، لما حب مريم فخرالدين وطنّش هند رستم!

ساعات كنت أبدل الممثلين مع الشخصيات وأعيد تركيب الفيلم؛ مرّة أحمد مظهر يبقى هو ابن الجنايني وزهرة العلا بنت الأمير، مش فارق قوي عن دورها كحبيبة هبلة في الفيلم.

ومرة حسين رياض يبقى الأمير وبنته هند رستم، قوم إيه.. علي ما يعرفش يحب مريم فخر الدين، لأنها أكيد مش بتعرف ترقص، وفي الحالة دي حبّه لبنت الأمير هيكون منطقي أكتر. وهكذا وهكذا لحد ما الفيلم داب من كتر إعادة تدويره.

لسبب ما بيتنا كان دايما يحتفل بالأعياد الوطنية.. كان أبويا الله يرحمه يتنرفز قوي لو سمع حد بيقول على حاجة وحشة إنها \”بلدى\”، ويصلّح له فورا، وهو بيقول: “بلدي يعني مأصلة\”.

أنا مثلا مولودة في ذكرى عيد الجلاء وعيد إعلان الجمهورية، ودول عيدين انقرضوا وماحدش بيجيب سيرتهم أبدا، وأنا في المدرسة كنت باتأثر دايما علشان بيكون عيد ميلادي في عز الامتحانات ومش باعرف أعزم أصحابي بما إننا كنا بنخلّص آخر يونيو!

كان بابا علشان يواسينى دايما يكرّر لي قد إىه اليوم ده مهم في حياتنا وإن جلاء الاستعمار وإعلان الجمهورية غيّروا مستقبلنا كلنا.. كانت مامتي، تعضيدا لرأيه، تعمل لي فستان جديد وتورتة بيتي عظيمة.

الموقف المنزلي ده خلاني فخورة إنى اتولدت في اليوم ده، زي ما أنا فخورة إني عرفت إن بابا سمّاني هالة، لما اتولدت يوم 13 ذي الحجة، وقال إنى نورت حياتهم.

ذكريات الطفولة دي عجيبة قوي: كأن الناس مش الناس ولا البلد هي البلد ولا كأني – على رأي صلاح جاهين- عمري ألف عام.

أول مرة آخذ جايزة في المدرسة، كان في عيد العلم، وده كمان عيد منقرض خصوصا في المدارس.. كان كتاب عن سلحفاة زهقت من الصدفة بتاعتها علشان بتعطلها عن الجري.. عارفين مين سلمني الجايزة دي؟ جمال عبد الناصر ذات نفسه: كنت بلية قصيرة عندي ست سنين، ومش عارفة أطلع على المنصة علشان عالية، فشالني وطلّعني وباسني على خدي وقاللى وهو بيدّينى الكتاب إنه بيحب قوى البنات الشاطرين. أنا كنت عارفة هو مين بس الغريب إني كنت شايفة إنه عادي جدا إني اتكلم معاه.

جمال عبد الناصر ماجاش المدرسة تاني في عيد العلم، لكن شفته مرتين تلاتة في اليوم الرياضي لما كان أولاد المدرسة القوميّة اللي أولاده كانوا بيدرسوا فيها يييجوا يلعبوا على ملعب مدرستنا.. لسه أولاد المدرسة القوميّة بييجوا مدرستنا لغاية دلوقت، لكن علشان يعاكسوا البنات وهما مسلحين بالسنج والجنازير!

نرجع مرجوعنا لـ علي اللي من الأحرار.. باردو فين؟! ذكريات الطفولة المبهمة؟! مناقشة حامية الوطيس بين أهلي وأصحابهم عن الصفات المرجوّة لضباط الجيش، انتهت باتفاق الأطراف إنه من الخطر أن يحظى بالسلطة محدودو العلم.

فضل السؤال يلحّ عليّ: إيه مواصفات الضابط الكويّس؟ إلى أن تطوّر إلى: كويّس بالنسبة لمين؟

لظروف جغرافية بحتة تابعت المقبلين على دخول الجيش لأن شباك بيت أهلي يطل على الكلية الحربية مباشرة.. أول الصيف يصل المتقدمون بوشهم الأصفر الممقوت.. يفرشون جرائد على الرصيف مع أهاليهم، اللي لا يقلّوا عنهم إرهاقا، يأكلوا من الزوّادة اللي جايبينها معاهم، لأن أغلبهم من الريف كانوا بيباتوا في الجنينة الملاصقة لسور الكلية إلى أن تنتهي امتحانات القبول. ما شاء الله بعد الخمسة وأربعين يوم الأول، نفس الولاد يخرجون رادّين وفاردين ضهرهم ويفرحوا القلب الحزين فشر عمر الشريف في بداية ونهاية.

بشوّيّة متابعة عرفت الآتي:

الكلية الحربية بتقبل الآخر.. ببواقي ماتقبلوش في الكليّات العسكريّة الأخرى.. بمعنى إن الطلبة دول – مبدئيا- ماعندهمش واسطة لدخول كليّة الشرطة، وكليّة الدفاع الجوي، التي لا تشترط مجموعا صارما جدا، أو في كشفها الطبي.

الكليّة الفنيّة العسكريّة، غير إنها بتاخد مجموع عالي جدا، فهي مابتاخدش غير خريجي مدارس اللغات.. يعني أبناء الطبقة الوسطى.. يفضل مين؟ الكلية الحربية. من الملاحظة الخارجية.. واضح إنها بتعتمد اعتمادا كبيرا على الطلبة ذوي الأصل الريفي، ودول على فكرة مش ولاد الريّس عبد الواحد خالص! دول أولاد الريف بتاع النهار ده.. مش بتاع ماحلاها عيشة الفلاح متهنّي في عيشته ومرتاح.. لا، الريف الفقير اللي ما فيهوش مدارس ولا خدمات.. الريف اللي أهله اتشحططوا في العراق والخليج، ورجع كل واحد منهم بنى له بيت طوب فيه مروحة ومسجل وأقام لنفسه  زاوية، أصبح فيها شيخ يهدى الناس بفلوسه حسب اللي ربنا فتح عليه به في فهم الحياة والدين، ومقضي وقته يحوّش في نقط ثواب يشتري بيهم قصور في جنة ربنا، بتحجيب الستات والبنات وتنقيبهم.

الريف اللي كانت الجماعات الإسلامية فيه، في منتهى القوة لما كان أهل الولاد دول شباب: يعني حضروا حريق غيطان القصب والتار البايت بين الحكومة والأهالي وحضروا إلغاء القيمة الإيجارية للأرض الزراعية واللي كان منهم له أهل بيفلحوا الأرض قعدوا على القهوة مستنيين أولادهم يكبروا ويعدوا لبر الأمان الموعود بالتعليم والوظيفة الميري.

ولاد اتولدوا وكبروا في كنف العائدين المتأسلمين الواعدين بالخلاص بالدين اللي في كل خطوة بيؤكدوا فشل المدنيّة صاحبة الوعود الزائلة الزائفة بالتقدم والتعليم والتوظيف.. دول نفس الأولاد اللي حيكتشفوا العاصمة وأهل العاصمة ويعرفوا إن في حياة تانية خالص غير الحياة اللي عاشوها وعرفوها.

ماكنتش قلقانة قوى لو قامت حرب: الجيش شغلته يحارب ولو دعت الضرورة أكيد هيقوم بدوره كاملا، إنما كان فيه هاجس في ركن من دماغي إن شويّة منهم يقرّروا يعملوا انقلابا عسكريا أو ثورة جديدة؛ الأوضاع كانت بتقول ده.. كنت باحاول أكون واقعية: بلدنا كل حاجة فيها تفتقر للنظام سواء حكومة أو معارضة أو كنبة.

الشرطة، غير اللي كان حصل لها من تشرذم بعد ثورة يناير، بالها بالين بين حماية النظام وحماية نفسها؛ ساعة الجد الحكومة مش هتتردد في حش رقابيهم في سبيل استمرارها، وأهم جرّبوا مرّة وحصل فعلا.. يفضل الجيش، بحكم إن العسكرية تقتضي حد أدنى من النظام وتقديس الأقدمية، كان في الوقت ده أكثر المرشحين للقيام بهذا الانقلاب أو التغيير أو الأي حاجة اللي ممكن تحصل دي، وبكده طلعنا فعلا كسبنا الحسنيّين: الحكم الديني والحكم العسكري.

وردّ قلبي؟ موجود دائما وأبدا طبعا، بس \”علي\” مش هيبص لـ إنجي، ولا حتى يعبّرها، وهيتجوز هند رستم، أهو منها تتوب ويأخذ ثوابها، ومنها يروق مزاجه،

وإحنا لا هنحصل إنجى ولا هند، وهنقعد ع الحيطة ونسمع الزيطة، وقد كان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top