أحمد تاج يكتب: أنا خائف

الحمد لله نُشِر مقالي الأول في \”زائد 18 \” منذ أيام قليلة، وعلى الرغم من أنني تفاجأت بالموضوع، إلا أنني استقبلت العديد من التهنئات التي أسعدتني جدا، ولم يمنع هذه التهنئات أن يتخللها بعض المزاح – وكم هو مزري أننا نعتبره مزاح – من نوعية: \”هنجهزلك هاشتاج الحرية لتاج من دلوقتي\”، \”هتتعلق يا ابني ومحدش فاضي يجيبلك عيش وحلاوة \”، وما إلى ذلك.
حتى أخذت النصائح منحى جدي بأنني يجب أن أحذر فيما أكتبه وأقوله كي لا أعرض نفسي للخطر، مما جعلني أسأل نفسي: ماذا قلت لكي أكون معرضا للخطر؟ ثم استدركت -مبتسما- ما قلته بسؤال آخر: وهل معظم من طالهم الخطر فعلا قالوا أي شئ من الأساس؟

في الحقيقة لا يوجد معيار واضح لما يجب أن نخاف منه.. الجميع من حولك يحذرك، لكن لا أحد يخبرك مما يجب أن تخاف وماذا تفعل تحديدا لكي تأمن هذا الشر.

أتمنى أن يظهر علينا أحد المسؤولين في الدولة ويقول لنا بكل صراحة : \”إن لم تقولوا هذا ولم تفعلوا ذاك ستأمنون ولن تتعرضوا لأي اعتقالات أو اختفاءات قسرية أو تهديدات\”، لأننا أصبحنا فعلا خائفين من كل شئ نقوله ولا نقوله، أصبحنا نخاف حتى من مجرد التفكير حتى لا نتعرض للخطر.

\”إن جريمة الفكر لا تفضي إلى الموت، إنها الموت نفسه\”
1984 (رواية) – جورج أورويل
 

تقول أبسط قواعد المنطق أن وجود الشئ يستدعي وجود نقيضه، أي أن وجود الأبيض يعني – بطريقة ما – وجود الأسود، وكذلك وجود عنصر العقاب والترهيب يستدعي وجود عنصر الثواب والترغيب.. قاعدة منطقية بديهية جدا.
لكننا في مصر – وكالعادة- نتحدى البديهيات ونكره المنطق، حيث إن العقاب الذي يرهبوننا به لا يقابله ثواب على الإطلاق، نحن نعيش في عقاب سرمدي ونخشى التعرض لعقاب أشد مما نحن فيه، أصبحنا نتحمل في صمت ضربة العصا على ظهر أيدينا على أمل أن لا يلقي بنا في حجرة الفئران يوما ما، أما عن النجمة والممتاز، فأصبحوا بالنسبة لنا من الأساطير، فلا طريق هنا يجنبنا الخطر ولا أمل في أي تقدير من أي نوع.

الجميع من حولك يحذرك ويطلب منك أن تلوذ بالصمت و\”تمشي جنب الحيط\”، لكن سرعان ما ستجري بك مقادير الحياة وتكتشف أن هذا \”الحيط\” مجرد سراب وأنك تسير في وسط الطريق بغير هدى ومعرض لأن تدهسك السيارات في أي لحظة كانت.
\”يا ابني ابعد عن السياسة.. حاضر! بس خلوها هي كمان تبعد عني\”

وبنفس قدر تعجبي من هؤلاء الذين يطالبونني بالحذر، أستعجب كذلك هؤلاء العنتريون الذين لا ينفكون يطلبون منك ألا تخاف وأن تتشجع وتنسى مخاوفك ببساطة، يمطرك الاثنان بسيل من النصائح، لكن لا أحد يقول لك ماذا تفعل تحديدا.
\”اعمل الصح!\” يقولونها لك بكل ثقة، ثم يتركوك وحدك في تيهك وهم يلوحون بأيديهم قائلين: \”باي باي يا كوتش\”!

من الغباء ألا نخاف، بجانب أنه أمر مستحيل ويتحدى كل قوانين المنطق والطبيعة، إلا أنها نصيحة غير مسئولة بالمرة، فمن الطبيعي أن تخشى أن يضيع مستقبلك على لا شئ، من الطبيعي أن تملاء الرهبة قلبك مع كل صديق ومقرب يعتقل أو يسجن أو حتى يقتل. الطبيعي والمنطقي أن تخاف من الأذى إلا إذا كنت ماسوشيا.
من حقنا أن نخاف، الخوف ليس عيبا، لكن العيب أن نستسلم، العيب أن ننصاع للظلم و نتأقلم معه من داخلنا، حتى لو اضطرنا ذلك للصمت لعقود والاحتفاظ بمعتقداتنا وأفكارنا بداخلنا كالناسك الذي يتعبد سرا خشية أذى الناس.
فلنقل ما في صدورنا ولو همسا، ولنضحك من قلوبنا ولو في صمت، ولنحب ونهيم عشقا ولو خلسة.
فلنحيا حتى والخوف يطاردنا، على أمل أن يأتي يوم تتبدل فيه المقاعد ونستطيع أن نبوح بكل ما جال وما يجول في خواطرنا.
أنا خائف.. لكنني لن أموت قبل أواني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top