سارة هجرس تكتب: حدث بالفعل (15)

المؤمن مصاب.. معروفة! وبصياغة أخرى (شيت هابنز).. حقيقة علمية مثبتة!

واستنادا إلى القواعد الثابتة أعلاه.. وفي ليلة ممطرة مشؤومة، الساعة 4 فجرا، وحدي ببيتي، والكل بمنزل أبي بالطابق الأسفل، وبينما كنت أضع الملابس بالدولاب، ودونما أدنى تهور أو رعونة من جانبي، سقط هذا اللوح الخشبي الضخم والثابت بأعلى الدولاب فجأة ليصطدم بأنفي مباشرة بكامل سرعته وقوته.

ثوان قليلة تتابعت قبل إدراكي الكامل للموقف، سيل من الدماء يغطي ملابسي وأرض الغرفة، ألم عميق وإن كان غير حاد بفضل تدفق الإدرينالين الغامر، والذي كان له الفضل الأول في إستجماعي لشتات نفسي وتحمل الموقف ومحاولة التعامل معه، فتحملت آثاره الجانبية راضية، من الشعور بالغثيان إلى الدوار والزغللة واختلافات الرؤية وما إلى ذلك.

أما عن موضوع اختلاف الرؤية ده.. فاتضح أنه ليس بفعل الأدرينالين كما ظننت! الحكاية إن مناخيري اتكسرت واتحركت من مكانها، واستقرت بزاوية مائلة أمام عيني اليسرى!

المشهد الذي هالني عندما نظرت إلى وجهي بالمرآة.. مناخيري مشيسة تماما وواخدة شكل مسطرة T، أحيييه! طب إيه؟

نزلت إلى شقة أبي أسفل شقتي، طرقت الباب وأنا أخفي وجهي بكفي كي لا أخيفهم، رآني (موسى) وعرف القصة، فكان رد فعله – بعد الخضة- بالغ الغرابة، فبدأ يهذي بجملة مواساة مقلقة: لا والله شكلها مش وحش أبدا.. مش وحشة والله يا صوص! خالص!

ونحن في طريقنا إلى المستشفى، بدأ يسرد لي مزايا كسر الأنف، فأردف مطمئنا: سلامتك يا صوص، عارفة؟ اللي حصل ده كويس جدا

أنا: موسى! أنا مش خايفة على فكرة، مناخيري اتكسرت وهايعدلوهالي، مفيش داعي لاختلاق قصص لطمأنتي.. اللي حصل كويس إيه بس؟

موسى: لا لا أنا بتكلم جد، أنتي عارفة؟ الملاكمين أول حاجة المدرب يعملها؟ إنه بيكسر مناخيرهم!

أنا: مجازا يعني؟ إمعانا في الذل؟

موسى: لا بجد، يخبطهم بونية يكسر مناخيرهم، علشان مهما اتضربوا فيها بعدين مايدوخوش ولا يتأثروا.

أنا: ما أنا مش باخد بونيات في وشي في المعتاد يعني!

موسى: برضه.. تبقي ناشفة كده ومايهمكيش! وبعدين الكسر مكانه حلو كمان!

أنا: أخدت بالك؟ أنا كمان عجبني جدا، واخد ناصيتين! بذمتك يعني إيه الكسر مكانه حلو؟ متجه للقبلة؟ باصص ع الشارع؟

موسى: يا بنتي لأ، بس فوق سيكا أو تحت سيكا كنتي هاتزعلي جامد!

أنا: آه.. الحمد لله إنها جت في الحديد!

موسى: بجد! الغضروف ده بيترد ع البارد كده، بسيطة! ياللا الحمد لله، فداكي! اللي ييجي في الريش بقشيش!

أنا: لا وأنا مأمنة كمان الحمد لله.. موسى أنت محسسني إن اكصدامي اللي اتكسر، مش مناخيري، إهدى كده مفيش حاجة، أنا كويسة، أنت بتخرف على فكرة.. بقشيش إيه؟!

استمر (موسى) في سرد الجوانب الإيجابية الوهمية للحادث طيلة الطريق بابتسامة مفتعلة وطمأنة مخيفة، إلى أن وصلنا أخيرا -الحمد لله- إلى المستشفى.

في هذه الساعة المتأخرة، لم يكن باستقبالنا بالمستشفى سوى ذلك الطبيب الشاب، نائب غض بعقده الثاني، وبعد الفحص المبدأي قال: بصي بأة، أنتي عندك اختيارين، الأول إننا نستنى للصبح علشان نعمل أشعة ونعرف الكسر فين بالظبط ونتصرف، بس هايكون الكسر بدأ يلحم ولازم جراحة، الاختيار التاني إني أردهالك دلوقتي وخلاص وهي لسه طازة.

أنا: إتكل على الله.

الدكتور: ياللا، بسم الله، زيييييييييييييء، كخكخكخكخكخخخخخخخخخخ، زييييييءءءء….طق.

ودي كانت بداية إصابتي باعتلال العصب البصري وسلس البول.

في اليوم التالي، ذهبت لطبيب إستشاري للاطمئنان، وعرف القصة، وكعادة الأطباء انتقد فعلة الطبيب الشاب، ووصفها بالتهور والمجازفة غير المحسوبة، ثم تفحصني باهتمام وقال: هو اتصرف غلط لا شك، هو بيعدلها على أساس إيه؟ أولا: كنتي ممكن تموتي من حدة الألم، ثانيا: إتفضلي! عمل لك تشوه واضح بعظمة الأنف، كسبنا إيه؟ دلوقتي هانضطر نعمل جراحة، ونكسرها تاني، ونحطها مكانها وكمان نعمل تجميل.

أنا: تشوه؟ للدرجة دي؟ يعني مفيش بديل عن الجراحة؟

الدكتور: لا طبعا مفيش، لازم تتكسر وتتعدل تاني علشان ترجع زي الأول، إنما كده بايظة خالص! تشوه واضح أهو! مش شايفة؟

أنا: ….

الدكتور: معاكي صورة واضحة قبل الحادث؟

انا: آه أظن.. إتفضل

تفحص الطبيب الصورة بإمعان ثم تفحص وجهي، الصورة ثم وجهي، الصورة ثم وجهي.. وقال: لا لا زي الفل، تسلم إيديه، دي هي كده أصلا.

انا (مصدومة): بالنسبة للتشوه؟

الدكتور: لا لا هي كده، مفيش أي حاجة، ماتعمليش أي حاجة.

كل الآلام اللي مريت بيها اليوم ده من كسر ونزيف ورد ع البارد وشفقة مذلة ونظرات فزع كووووووووووم.. وكلمتين الدكتور دول كوم تاني!

– بقول لك إيه يا أستاذ لمبي! هو أنا وشي فيه آثار ضرب؟

– آثار ضرب؟ ده أنت وشك عايز يتنفخ من جديد!

(اللي جينالهم يا قلبي يا قلبي في جراحنا جرجونا في جراحنا جرحوووووووونا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top