أحمد سمير جوهر يكتب: جهاز صناعة الإرهاب

\”أصل مصر لازمها رئيس عسكري علشان يعرف يواجه المخاطر ويقضي على الإرهاب\”.. هذه الجملة التي طالما سمعتها كثيرا قُبيل إعلان الفريق السيسي الترشح للانتخابات الرئاسية، وظلت تتوافد على أُذني من أفواه عديدة حتى فاز السيسي وأصبح رئيسا لمصر، الرئيس الذي لخص برنامجه في جملتين شهيرتين \”فوضوني علشان أحارب الإرهاب\” و\”أنا مش مش عايز أديك، أنا مش قادر أديك\”، وقد وعد وأوفى، ولم يعط لأي أحد أي شيء، ولم يكتف بعدم العطاء، بل وأخذ زيادة في أسعار البترول والكهرباء وآخرها السجائر، لكنه حتى الآن لم يستطع أن يوفي بالوعد الأول وهو القضاء على الإرهاب، الإرهاب الذي يحصد كل يوم أرواحا مصرية لا دخل لها بالصراع على السلطة، مما يُثير في مخيلتي تساؤلا لي الحق في طرحه؛ أهو لا يستطيع القضاء على الإرهاب؟ أم لا يريد؟ أم يخلقه ويُدعمه؟

إن الذي يحدث في سيناء من تفجيرات واعتداءات يُستغل من قبل الأطراف الـمُختلفة كوسيلة ضغط على الأطراف الأُخرى، فنجد السيسي يروج له على أنه إرهاب أسود يستهدف استقرار مصر وأمنها وتقدمها، ويتخذ منه ذريعة للقضاء على كل الـمُعارضين سواء بالقتل أو الاعتقال تحت مُسمى الإرهاب، وقد ظهر ذلك جليا في الكلمة التي ألقاها السيسي في الثالث والعشرين من فبراير حين قال: \”أنا عارف ان فيه ناس كتير محبوسين ظلم، لكن الظروف اللي إحنا فيها…\”، وأيضا يستخدمه ليُغطي على الفشل الداخلي، فلو اختفى الإرهاب وشعر الناس بالأمن سيبدأون في النظر إِلى متطلبات الحياة الأُخرى وسيرون الإخفاقات العديدة لهذا النظام الحاكم.

على الجانب الآخر نجد الإخوان يستغلون الأحداث لأنها تُشفي قليلا من غيظهم وغليلهم، وتشفي رغبة العُنف فيهم، أيضا يمررونها للتحريض على النظام آملين في تعاطف الناس معهم كي يُزيلوا حكم السيسي ويُعيدونهم إِلى سُدة الحكم.

بعيدا عن \”هوهوة\” الـمُعسكرين، أرى أن ما يحدث في سيناء يُعيدنا إِلى ما حدث في الجزائر في الفترة من عام 1988 وحتى عام 2000، ففور فوز تيار الإسلام السياسي في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية عام 1992 هرع الإسلاميون إِلى إعلان منع الخمر وإغلاق مدارس البنات لعدم جواز تعليم البنات، وغلق محلات الخمور، وفرض الزي الإسلامي بقوة السلاح، ومن يُخالف ذلك يُعاقب وبشدة. على الفور استغلت قيادة الجيش ذلك للحيلولة دون وصول الإسلاميين إِلى البرلمان، ضغطوا على رئيس الدولة وأجبروه على الاستقالة، وأُلغيت نتيجة الانتخابات، وقررت القيادة العليا للجيش القضاء على 3 مليون جزائري صوتوا للإسلاميين.

على الفور بدأ الإسلاميون بتنفيذ تهديداتهم بتفجيرات ومحاربة للجيش وللشرطة، ووصل بهم الحال أن أعلنوا أن الله سيكافئ من يقتل أحد أفراد المظلات ببيت في الجنة، وبدأت العمليات الإرهابية في الانتشار قليلا، أما قيادة الجيش، فكانت خطتهم أن تنتشر العمليات الإرهابية بقدر كبير حتى يتثنى لهم القضاء على كل الإسلامين ومن صوتوا لهم، وقد كانت خطتهم في نشر العمليات الإرهابية على ثلاثة أشكال.

الشكل الأول أن ييسروا للجماعات الإرهابية عملياتهم دون مُمانعة أو مواجهه، ومثال ذلك أن تتعرض وحدة للهجوم، فترسل الاستغاثة للوحدات حولها، فتأتي التعليمات بعدم التحرك لنجدتها، مما يُسبب في نهاية المطاف هلاك الوحدة.

الشكل الثاني كان يتمثل في اختراق هذه الجماعات الـمُسلحة وتوجيه نشاطها، كان ذلك حين قبض الجيش علي ضابط برتبة نقيب وأودعه السجن لمدة شهر، ثم خرج هذا الضابط وتوجه إِلى جماعة وأخبرها أنه هرب من السجن ويريد الانتقام، وفي غضون عامين كان هذا الضابط أميرا لهذه الجماعة، وكان يتلقى تعليماته مُباشرة من القيادة العسكرية.

الشكل الثالث هو أن يُربي أفراد من الجيش لحاهم، ويتوجهون لتنفيذ بعض العمليات بنفسهم، ثم يعودون.

على مستوى الدولة كانت القيادة تُعلن بعد كل عملية إرهابية أن الإرهاب سينتهي في غضون ربع ساعة، ثم يتم اتخاذ عدد من القرارات ساهم كثير منها في زيادة عدد الإرهابيين، فكان خفض السن الجنائي، ثم القبض العشوائي على الشباب وتعذيبهم ثم الإفراج عنهم، أو قتل أفراد من العائلات، فلا يتبقى أمام الباقين سوى أن ينتظروا القتل أو أن ينضموا للجماعات الإرهابية طلبا للحماية والجنة.

نذكر من هذه المذابح مجزرة بن طلحة التي وقعت عام 1997، حيث نورت الدولة المدينة كلها قبل ميعاد المجزرة بوقت قصير، وحاصر الجيش المدينة مانعا دخول أو خروج أي شخص إليها أو منها، اقتحمت الجماعة الـمُسلحة بن طلحة في تمام 11:30 ليلة الثاني والعشرين من ديسمبر، ذبحوا الرجال والأطفال واغتصبوا النساء ثم قتلوهم، وخرجوا جميعهم من المدينة قُبيل الفجر دون أدنى تحرك من قوات الجيش الـمُتمركزة حول المدينة، رغم وجود طائرتين هيلوكوبتر حلقتا فوق المدينة طوال مدة المجزرة، وكانت الجزائر وقتها قد استلمت من فرنسا طائرات مزودة بكاميرات تنقل الأحداث إِلى القيادة مُباشرة.

على المُستوى الرسمي أعلنت الجماعة الإسلامية الـمُسلحة مسئوليتها عن المجزرة، لكن نصر الله يوس، أحد الناجين، الذي هاجر أخيرا إلى فرنسا، نشر كتاب \”من قتل في بن طلحة\”؟ (Qui a tué à Bentalha?)، ويروي فيه تجربته الشخصية ويجادل بأن الحكومة الجزائرية اخترقت الجماعة الإسلامية المسلحة وسيطرت عليها، وثمة عنصر يثبت هذا الاقتراح في روايته؛ ألا وهي الكلمات التي ذكر أنه سمع العصابات تقولها مشيرة إلى أنهم كانوا يعلمون أن الجنود المتمركزين بالخارج لن يحركوا ساكنا وأن الدين لم يكن هو همهم:

\”الجنود لن يساعدوكم! أمامنا الليل بطوله لاغتصاب نسائكم وأطفالكم وشرب دمائكم. وحتى إذا هربتم من الموت اليوم، فسوف نعود غدا للقضاء عليكم! نحن هنا لنرسلكم إلى ربكم!\”

عوّد إِلى واقعنا، فنرى عمليتين في سيناء تصورهم جماعة أنصار بيت المقدس بجودة صورة HD، وتُذيعهم ليخرج بعد ذلك متحدث الدولة ليُعلن وبكل قوة أنه سيعلن مصر خالية من الإرهاب قريبا، ثم تتكرر المأساة وسط خطاب إعلامي يُوجه من مكتب اللواء عباس باتهام جماعة الإخوان ومناداة بعلو الصوت للقضاء عليهم والتخلص منهم وتهيئة للرأي العام ليتقبل أخبار مقتل أي شخص سواء كان في مظاهرة أو حتى عابرا للطريق، وهو ما يجعل لسؤالنا جزء من الشرعية؛ أيستغل النظام ما يجري للقضاء على ثورة يناير كما استغل الجيش الجزائري ما يحدث للقضاء على الإسلاميين وأنصارهم؟!

إن إجراءات تعسفية كثيرة تُخير الـمُعارضين بين استسلامهم لاحتمال قتلهم أو اعتقالهم، وبين الانضمام للجماعات الـمُسلحة آملين في الحماية أو في الانتقام لذويهم وأصدقائهم، نرى محاكمات جائرة على المنتمين للثورة، نرى محاولات تخوين واقتياد إلى اليأس، نرى آلاف الأبرياء مُعتقلين في السجون بلا سبب ولا تُهمة، يلاقون أشد ألوان التعذيب والقهر، ماذا تنتظرون من هؤلاء؟ أتنتظرون منهم أن يكونوا مواطنين صالحين بعد أن يخرجوا؟! إن الدولة إذا استمرت في تعسفها وجورها وظلمها، فستكون هي أكبر جهاز يصنع الإرهابيين، إن لم تكن قد أصبحت كذلك بالفعل.

المصادر:

كتاب \”الحرب القذرة\”

كتاب \”من قتل في بن طلحة\”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top