\”حقا هناك بعض الرجال يكتبون أقدارهم بأيديهم\”
في أحد مشاهد فيلم \”لورانس العرب\”، الفيلم الذي قدم \”عمر\” للعالمية من خلال قيامه بدور هام خلاله عام 1962، يهمس النجم الوسيم بهذه الجملة، كأنه يتحدث عن نفسه، ويُلخِّص مسيرة حياته الطويلة، التي بدأت عام 1932، وانتهت بالأمس.. ثلاثة وثمانون عامًا، كان \”عمر الشريف\” خلالهم مثالًا للرجل الذي يكتب قدره بيديه، يصنع طريقه بنفسه، ويتحمل تبعات اختياراته بهدوء، مهما بلغ أذاها.
لا يمكنك أن تحب \”عمر\” إلا من موقع المتأمل عن بُعد، كنموذج للفارس المجنون، دون أن يمسك شر جنونه.. الاقتراب من أمثال عمر يعني الاحتراق بجنون اختياراته.
النجم الوسيم والمُحِب السئ
عن بُعد، تبدو الصورة شديدة اللمعان.. لا تقترب كثيرا! قد تجدها ممتلئة بالشقوق في واقع الأمر.
عمر الشريف، الرجل الوسيم، الذي كان حُلما لفتيات جيله، ومعيارا للوسامة بشكل عام، بعيدا عن الشاشة، على أرض الواقع، كان مُحبا سيئا.
عاد \”يوسف شاهين\” من أمريكا، بعد أن درس الإخراج هناك؛ ليقدم زميل دراسته الوسيم في \”فيكتوريا كوليدج\”، لجمهور السينما المصرية من خلال فيلم \”صراع في الوادي\” عام 1954، يؤدي دور البطولة أمام الجميلة \”فاتن حمامة\”.. لم تكن قصة الحب الدائرة في الفيلم بين \”عمر\” و \”فاتن\” مجرد خيال، تجاوز الأمر مساحة التمثيل؛ ليصبح واقعا.. أحبا بعضهما البعض، تزوجا.. حتى هنا تبدو قصتهما مثالا لقصص الحب الناجحة التي يتتبع تفاصيلها الجمهور، خاصة عندما تطالع الصور التي تجمعهما بصحبة ابنهما \”طارق\”؛ لتجد نفسك في مواجهة صورة تشع جمالا! الزوج الوسيم والزوجة الجميلة من المُتوقع أن يكون ابنهما مثالا للوسامة، وقد كان هذا.. لكن بقية الحكاية تبدو مأساوية من فرط بساطة قسوتها: أحسَّ عمر أنه لم يعد مرغوبا فيه من قِبل نظام جمال عبد الناصر، يقولون إنه تلقى تهديدات صريحة من الرجل القوي، حينئذ، \”صلاح نصر\”، آثر السلامة؛ فسافر إلى أمريكا، أو لنقل إنه \”هرب\” لو كنت تحب الألفاظ القوية، وأرسل لفاتن من هناك يُعلمها أنه لن يستطيع أن يُكمل معها مسيرة حياته؛ لأنه لا يستطيع أن يظل مُخلصا لها.
هكذا، بكل بساطة، أنهى \”عمر\” حكايته مع فاتن.
القمار.. الشيطان الذي كاد أن يقضي على \”النجم العالمي\”
في أحد الحوارات معه، يقول \”عمر\”:\”“لقد قضيت آخر 25 عاما من عمري أقوم بالعديد من الأفلام السيئة، أفلام لم أحبها ولم أحب أن أكون فيها، ولكني كنت أفعل ذلك لسداد ديوني، كنت دائما متأخرا عن سداد ديوني بما يساوي أجري عن فيلم واحد، ولهذا استمريت في قبول الأفلام السيئة واستمرت الديون\”
عشق \”عمر\” الخيول والقمار، خاصة لعبة \”البريدج\”، التي كتب عنها عدة مقالات وأصدر فيها عددا من الكتب إلى جانب وجود لعبة كومبيوتر للعبة البريدج تحمل اسم \”عمر الشريف\”.. لكن هذا الشغف كلفه الكثير.. بدد عمر أموالا كثيرة في عوالم \”البريدج\”، وبسببها، عاش مدينا لفترات طويلة من حياته، واضطر لبيع منزله في فرنسا بعد أن خسر 750 ألف جنيه استرليني، في ليلة واحدة، أثناء لعب القمار.
\”إنها لا تعني لي شيئا؛ لأنني أمتلكها\”
هكذا قال عن \”النقود\” في أحد لقاءاته، وهي عبارة صادقة للغاية، تُعبِّر عن رجل ملول، تفقد كل متعة قيمتها في نظره بمجرد امتلاكها.
الفارس المَلول
لم أجد رجلا يمتلك روحا قلقة كتلك التي متلكها \”عمر\”.. أرهقته، وأرهقت كل مَن احتك به عن قُرب.. لم يعرف السعادة الحقيقية، إلا قليلا.. من الصعب أن يشعر بالرضا من امتلأ قلبه بكل هذا القلق.. غرق \”عمر\” في الملذات، عبر محطات حياته المختلفة، امتلك كل ما يمكن أن يحسده عليه أي رجل: الشهرة، محبة الملايين له، الأضواء التي تلاحقه أينما ذهب تعددت علاقاته النسائية، جمع الأموال وخسرها.. عاش حياة عنوانها هو البحث عن المُتعة، مطاردة السعادة في كل مكان. حياة ممتعة حين تراقبها عن بُعد، لكن ما أثقل أن تكون بطلها! في مواجهة هذه الشخصية الملحمية، لم أمتلك سوى أن أحب \”عمر\”، بكل جنونه.
نهاية هادئة حزينة
في مايو 2015، أكد \”طارق\” حفيد عمر الشريف إصابته بمرض \”ألزهايمر\”، بعد أن ترددت أنباء عن هذا الخبر السئ منذ 2012 خلال عدة مواقع إخبارية.. تأكد الخبر؛ ليَعم الحزن بين من أحبوا \”عمر\”.. انتهى النجم الوسيم، الذي قضى حياته متنقلا بين فنادق أوروبا وأمريكا، في أحد منتجعات البحر الأحمر، بلا ذاكرة، كأن ذاكرته استسلمت، تحت ثقل ذكريات الحياة المزدحمة التي عاشها صاحبها.. رحل بهدوء، لا يناسب جنون الرحلة التي عاشها.
آن للفارس المجنون أن يتوقف عن السعي، والسفر، وإثارة الضجيج أينما حلَّ، وينال بعض الراحة.