أتى رمضان هذا العام، في أجواء غرائبية، دون سابق إنذار، رغم علم الجميع بقدومه، حاملا بين أيامه المعدودات عشرات المسلسلات والإعلانات، لتدور رحى الحرب بين مقاتلي الشاشة الصغيرة، لكن للحرب هذه المرة قواعد مختلفة، فليست الدراما هي سيدة الموقف وحدها، هناك أيضا الإعلانات، والتي أصبحت تشكل منافس قويا وكُفء للدراما، بعد أن أدرك صناع الإعلانات أن قواعد اللعبة تغيرت، وأصبح لزاما عليهم أن يعاصروا المتغيرات، تحديدا، أن يخاطبوا الجيل الجديد، وإلا يموتوا.
بالطبع، أدرك صناع الدراما ذلك، فاستمروا في إعداد وتطوير أنفسهم للمعركة الصعبة، التي يخرج الجميع منها منتصرا.
العهد.. كمثال حي لتفوق الإنسان على نفسه
بعد أن قدم السيناريست \”محمد أمين راضي\” مسلسليه الشهرين جدا \”نيران صديقة\”، و\”السبع وصايا\”، يطل علينا هذا العام مجددا، من نافذه أسطورية فانتازية، حيث لا مكان، ولا زمان، فقط هناك ثلاثة كُفور، تشير أجواء الصورة ذات الإضاءة الخفيضة إلى سكنهم في الماضي، يتصارع الجميع داخلهم على السُلطة، ولأن الدراما مرآة الواقع، فاتخذ الصراع ذات شكله الوقح في واقعنا، حيث نحد من يريد أن يحكم متخذًا من الدين غشاء مقدسا، ومن يحكم مستخدمًا سطوة المال التي لا يجدي معها نفع ولا ضر، هناك أيضا \”ريا\”، التي تجسد دورها الفنانة المتميزة \”صبا مبارك\”، كبيرة \”كفر النسوان\” الذي لصراع السلطة فيه قواعد مختلفة، حيث \”المرأة\” هي مبتدأ الحكم وخبره.
برغم أن \”العهد\”، يعد نوع جديد ودخيل على الدراما المصرية، إلا أنه يفتقد إلى سلاسة \”راضي\” المعهودة، الأجواء الغرائبية العجيبة ذاتها ليست أرضا صلبة للحكي، كما مثلا العلاقات الإنسانية، التي عزف \”راضي\” على أوتارها، محدثًا لحنا عذبا، فطنت إليه آذان مواليد التمانينيات والتسعينيات، فاخرج لنا مسلسله الأهم \”نيران صديقة\”، الذي مس كل من شاهده من طائفة الشباب، إما بالنوسالتجيا، أو بذكريات الهجر، والفراق، فتح \”راضي\” هناك جراح الماضي الغائرة، والآن يرجع بنا إلى ما هو ماض أكثر.
صرح \”راضي\” إبان عرض \”نيران صديقة\” بأنه كان يستهدف جذب طائفة جديدة من المشاهدين إلى الشاشة الصغيرة، في إشارة إلى جيل الشباب الذي هجرها طويلا، وقد نجح في غرضه بجدارة، ولأن صناعة الدراما، لا تعرف الاستقرار، يواجه \”راضي\” الآن إتهامات عديدة، من ذات الشباب الذي استهدف جذبهم إلى التليفزيون، بأن مسلسله مقتبس من المسلسل الأشهر Game of thrones.
ولأن الشيء بالشىء يذكر، فلا يمكن الحديث عن \”العهد\”، دون ذكر الأداء المتميز لـ \”صبا مبارك\”، \”ريا\” التي بدأت أولى مشاهدها بقتل أبيها، في مشهد خاطف ومتميز حقا وصدقا، أيضًا تألقت \”أروى جودة\”، في دور \”سندس\” العالمة، رقصتها المتميزة في البدايات، ثم بيت القصيد الذي تشكل بغنائها لرائعة \”دنيا مسعود\”.. \”ما تحن ع القلة\”، ليجري نبع الإبداع إلى ما شاء له المخرج المتميز \”خالد مرعي\”.
في البدء كان \”عمرو سمير عاطف\”، والآن أصبح \”بعد البداية\”
بحسب إحصاءات موقع \”وشوشة\”، يتربع مسلسل \”بعد البداية\”، من تأليف \”عمرو سمير عاطف\”، وإخراج \”أحمد خالد موسي\”، وبطولة \”طارق لطفي\”، على عرش الدراما الرمضانية هذا العام، حيث سجل مشاهدات وصلت إلى 4 مليون و590 ألفا، خلال عرض العشر الحلقات الأولى منه، على موقع الفيديو العالمي \”يوتيوب\”.
البعض، تأيته البطولة المطلقة متأخرة، وليس مثل من هذا أفضل من \”طارق لطفي\” الذي شارك بعشرات الأدوار الثانوية في أعمال عديدة، والآن، في أول بطولة يؤديها، يأتي متربعا على عرش الدراما، يؤدي \”لطفي\” شخصية الصحفي \”عمر نصر\”، صحفي ذائع الصيت، يصحو من نومه ذات يوم ليكتشف خبر موته متصدرا مانشيتات الصحف، ثم يفاجأ بـ \”البوليس\” قادما للقبض عليه من مسكنه، لتبدأ الحدوتة الشقية، المُحكَمة، والمحبوكة، كما عادة حواديت \”عاطف\”، إضافة إلى الإخراج المتميز للصاعد \”أحمد خالد موسي\”، آثرت أن استكمل مشاهدتها بعد انتهاء رمضان، إبتعادا عن كل هذا الزخم الذي كاد يفتك بنا.
في المرتبة التالية، يأتي مسلسل \”عاطف\” الثاني، \”لعبة إبليس\”، الذي يقوم ببطولته \”يوسف الشريف\”، ويخرجه \”شريف إسماعيل\”، بإجمالي مشاهدات –حسب وشوشة- وصل إلى 2 مليون و766 ألفا، خلال عرض الحلقات العشرة الأولى منه، لاقى المسلسل سخرية لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، لقيام \”يوسف الشريف\” بأداء دوري أخين، كل منهما نفخت فيه الروح، بداخل رحم أم مختلفة، أحدهما رجل أعمال والآخر ساحر، يدور المسلسل في إطار تشويقي، مشرحا وشارحا العلاقة بين المال والسلطة والإعلام، وهو ما يضفي عليه لونا خاصا، لكنه بالطبع ليس بنفس حبكة \”الصياد\”، الذي أسر مشاهديه العام الماضي.
في البدء كان \”عمرو سمير عاطف\”، عنوانا ليس مجازيا، فمؤلف \”بكار\” حقا وصدقا، كان بدء اكتشاف الشاشة الصغيرة، لدي أجيال الثمانينيات والتسعينيات، والذي يعود إلينا هذا العام، ولكننا هرمنا يا أمي، ولم نزل شغوفين بمشاهدة \”بكار\”، فأساطير الطفولة يفضل الابتعاد عنها في الكبر، حتى لا تفقد عامل الإيهام المميز لها، والساكن في وجدان كل من تربوا عليها، زاد من ابتعادي منشور \”عاطف\” عبر \”فيسبوك\”، الذي كتب فيه أن بكار جاء هذا العام ليخاطب الأطفال الصغار، ولم نعد منهم.
\”لهفة\”.. نافذة الكوميديا الجديدة
بعد أن أصاب الجمود الكوميديا، وأصبحت الأعمال الكوميدية مثارا وملاذًا للسخرية منها، يأتي صناع \”لهفة\” هذا العام، ليضخوا دماء جديدة في شرايينها، المسلسل من تأليف \”السكريبت رايترز\” ذائعي الصيت على مواقع التواصل الإجتماعي، عمرو سكر وأحمد سعد وأحمد كامل، في قالب كوميدي، يحاولون فيه التجديد على استحياء، بادخال ما يمكن تسميته بـ \”الكوميديا الجديدة\” على الشاشة الصغيرة لأول مرة، والتي تقوم على السخرية من كل شىء وأي شىء، بمعان وكلمات يفهمها الجيل الجديد.
ليس المسلسل بالمستوى الذي توقعته، لكنها تجربة جديدة تستحق المتابعة، ولا أظن من متابعاتي الطويلة لهؤلاء الكتاب أن هذا أبلغ ما وصلوا إليه من إبداع، بل ليس هذا مستواهم أصلا، ومازال لديهم الكثير والكثير ليقدمونه، ما يؤكد ذلك هو أن المسلسل من فكرة \”دنيا سمير غانم\”، التي تؤدي دور البطولة ببراعة، حيث تُجسِد \”لهفة\”، الفتاة المثابرة التي تحاول الظفر بأي فرصة مناسبة للتمثيل، تنقلها من صفوف الكومبارس إلى مقاعد النجوم.
\”حواري بوخارست\”.. الحارة المصرية في رداء الحداثة
إن كنت متابعا لمواقع التواصل الاجتماعي، غالبا ما ستكون قرأت نقدا وسخريةً لاذعة لصناع \”حواري بوخارست\”، لعدم قيام بطلات العمل بارتداء الحجاب رغم سكنهم في حارة شعبية، وعدم التحرش بهن رغم ذلك، المرعب في الأمر أن الجميع صار يتعامل مع التحرش كأنه فرضا، وليس آفه تزيد واقعنا الملوث، تلوثًا على تلوثه، مرض عضال يجب التخلص منه بأقصى سرعة، وبكل الوسائل الممكنة.
يدور المسلسل في عوالم تجارة المخدرات، مُستعرضا بعض أوجه الفساد والقصور التي تشوب مجتمعنا، في قالب درامي رائع ألفه السيناريست \”هشام هلال\”، يقوم ببطولته \”أمير كرارة\”، مؤديا دور \”سيد بوخارست\”، تسيطر على المسلسل حالة متوهجة من الصدق الإنساني، كما عَهدت أعمال \”هلال\”، وإلى جانب \”بعد البداية\”، قررت أن استكمل مشاهدة \”حواري بوخارست\” هو الآخر بعد رمضان.
في الليلة الزخماء.. نفتقدكم
نفتقدكم هنا موجهة إلى من أحببناهم، ولم يظهروا علينا من الشاشات هذا العام، يأتي في مقدمة الغائبين، النجم الكبير \”يحيي الفخراني\”، الذي نفتقد شخصياته المتفردة التي يصوغها لنا السيناريست \”عبد الرحيم كمال\”، الذي سجل غيابه هو الآخر، في مقاعد الغياب أيضا يأتي الممثلان الكبيران \”نور الشريف\”، \”محمود عبد العزيز\”، والسيناريست المتميز \”محمد سليمان عبدالمالك\”، والذين برغم كل الزخم، مازالت مقاعدهم فارغة.
عن الغياب القهري، نذكر الرائع \”بلال فضل\”، الذي مُنِع مسلسله \”أهل إسكندرية\” للعام الثاني علي التوالي، بدعوى انتقاد الشرطة، كما صرح بذلك \”إبراهيم محلب\”، رغم أن الأعمال الدرامية خلال الموسمين اللذين منع خلالهما، لم يخلوان من انتقاد الشرطة!
يأتي هذا المنع وسط صمت مطبق من المثقفين والمفكرين والكًّتاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.