الأصل من تشريع وسن كل القوانين الوضعية احترامها، والعمل بها وتحقيق أفضل السبل في صياغة القوانين، حتى يمكن تطبيقها على النحو الأمثل.
في مصر الوضع مختلف.. القوانين لا تحترم، ولا تطبق على \”كل الناس\”، ويمكن صياغة قانون نكاية في مهنة أو جماعة أو تعديل قانون بما يوافق مرحلة سياسية معينة.
مثلا تعديل مادة الحبس الأحتياطي حتى تصبح غير محددة المدة، وضع قانون الحد الأقصى والأدنى للأجور، ولم تستطيع الدولة تنفيذه، وطبقت الدولة والقائمين على إدارة الأمور المثل المصري الشهير: \”اكفى على الخبر ماجور\”.
\”العدالة يدها مغلولة بسبب القانون\”.. الجملة السابقة قالها السيسي في جنازة النائب العام، هكذا يرى رئيس الجمهورية أن العداله يدها مغلولة بسبب القانون، وفجأة ظهر حديث عن قانون لمكافحة الإرهاب.
طبعا الكل يؤيد الفكرة.. كلنا ضد الأرهاب، لكن لماذا طلب السيسي القانون الآن؟ ولماذا لم يطلبه مع التفويض مثلا؟ ولماذا لم يضعه منذ توليه الرئاسة؟
السيسي يتمتع بصلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية معا.. لماذا صمت على غل يد العدالة بسبب القانون، إذا سملنا بمعقولية هذا الطرح أصلا.
أسم القانون ليس على مسمى، أغلب مواد القانون لها علاقة بمحاربة حرية الصحافة، السيسي يريد تمرير القانون، فاختار أكثر شيء \”بياكل مع الناس\”.. لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، نريد محاربة الإرهاب.
ما علاقة الإرهاب بحبس الصحفيين لنشر أخبار غير المنشورة بالبيانات الرسمية، ثم ما علاقة البيانات الرسمية أصلا بالصحافه؟!
غالبا وخاصة في الأحداث الكبرى، تكون البيانات الرسمية كاذبة، ولو عدنا للوراء قليلا، سنجد خالد سعيد رحمه الله كان متهما بقضية بانجو، ومحمد الجندي رحمه الله صدر بيان يؤكد أنه توفى في حادث سيارة، والمثالان قبل وبعد ثورة يناير حتى لا يقال إن الشرطة تغيرت.
لو أقرت هذه الماده فمعناها ببساطة، أن الصحفي لن يستطيع نشر أي خبر أو تقرير مخالف لبيان رسمي، لو كشف مواطن محتجز عن جريمة تعذيب مثلا، وصدر بيان يخالف ما قاله المواطن المحتجز، فلا يحق للصحفي النشر.. هكذا بمنتهى البساطه، طبعا بيانات الوفاة في أقسام الشرطة لهبوط في الدورة الدموية، ستكون \”أكلشيه\” ثابت بين جميع أقسام الجمهورية!
للصحافة دور رقابي، ويمكن للصحفي كشف فساد ما في مؤسسة أو وزارة، كيف يمكن للصحافة القيام بهذا الدور، والمفترض أنها ستنتظر البيانات الرسمية؟
القانون المزعوم ينص بمعاقبة المحرض على جريمة إرهابية بنفس عقوبة الجريمة الكاملة، لكن القانون لم يعرف من هو المحرض؟ وهو ما يعني أن صياغة المادة فضفاضة بما يكفي لعقاب أي شخص بتهمة التحريض!
المادة السادسة تقر صراحة باستخدام القوة من القائمين على تطبيق القانون وعدم مساءلتهم جنائيا حال شعورهم بخطر يوشك أن يقع، إذا استعملت الشرطة القوة ولم يقع الخطر، أو كان الشعور كاذبا؛ فالقانون هنا يضمن عدم محاسبة ظابط الشرطة أيضا!
القانون أغفل تماما إصدار بيانات مغلوطة أو ناقصة أو متاخرة عن الحدث من قبل الجهات الرسمية؛ لكنه لم يغفل \”السوشيال ميديا\” فأقر عقوبات تصل بحد أدنى للسجن المشدد خمس سنوات، مع وضع ترزية القانون عبارت فضفاضة بما يكفي لحبس نصف جمهورية الفيس بوك المزعجة للنظام!
القانون كان فرصة لحملة مباخر النظام للظهور والمزايدة على رافضي بعض المواد، بأنهم أكثر وطنية وشرفا ومباديء، لكن المباديء لا تتجزأ، ولا تتغير بتغير المواقف.. القوانين التى توضع لحماية حاكم أو مصادرة مهنة مزعجة لنظام هش؛ يكون عمر القانون والحاكم أقصر مما يتوقع الجميع!