حسام الخولي يكتب: رحلة الناقد المتحيز (2) "أستاذ ورئيس قسم".. كل ده بيض يا عديلة!

في محاولة للهروب من طوفان الإعلانات وأيضا من باب الالتزام بمبدأ اللاخطية والعشوائية الذي كنت قد تبنيته في هذه السلسلة, كانت هذه هي أول جملة أسمعها على لسان الكبير \”عادل إمام\” أثناء التقليب في حلقات مسلسله الجديد \”أستاذ ورئيس قسم\” على اليوتيوب.. لست من كبار المؤمنين بالعلامات والإشارات، لكنها مثلت لي صدفة مناسبة إلى حد كبير نظرا لما شاهدته مما تلاها.

كنا قد أكدنا من قبل على نقطة أن كاتب السطور يعاني من قدر كبير من التحيز والموقف السلبي الجاهز مبدئيا ضد الدراما التليفزيونية المصرية – إلا في نماذج نادرة – بالذات لأسباب عديدة لا تبدأ عند الاستسهال والرداءة وعدم الاتقان وإهمال التفاصيل، ولا تنتهي عند قلة أو انعدام الاعتبار الذي يوليه صناعها للمنطق والواقعية, الواقعية هنا لا تعني المدرسة الفنية بذاتها، لكنها تنطبق ويجب أن تؤخذ في الحسبان حتى في أعتى الأعمال فانتازية أو كوميدية، فالواقعية بمعنى تصوير الواقع تختلف عنها بمعنى اتساق المنطق الداخلي للعمل وقابليته للتصديق أيا ما كان نوع العمل أو طابعه، هذا التحيز من جديد أعترف به من باب تحرير هذه الملاحظات البسيطة عن أعمال هذا العام من إدعاء الموضوعية أو الالتزام بمتابعة  -عشان الزهق بس مش أكتر – مسلسل أو أكثر بالكامل من أجل تقييمه بشكل عادل وموضوعي.. ومن هنا أوكد على أن عادل وموضوعي تعبوا من كثرة الإعلانات ودخلوا يناموا.

الجانب السياسي في المسلسل بالطبع هو الأكثر إثارة واستحقاقا للملاحظة، لأن هذا الجانب هو الأهم والأكثر جذبا للانتباه بطبيعة الحال في مسلسل تدور أحداثه حول الثورة المصرية في 25 يناير 2011, و\”حول\” هنا مهمة جدا، لأن المسلسل بالفعل يدور في رأيي \”حول\” الثورة وليس  \”عنها\”.. الثورة هنا أقرب لخلفية وديكور للأحداث التي لا تخرج من ناحية عن شكل حبكة درامية قصصية تقليدي يتخذ فيها كعادته \”عادل إمام\” في دور الأستاذ في كلية الزراعة والمناضل اليساري القديم وهو الأستاذ والمعلم والشخصية المحورية الرئيسية بالنسبه لتلاميذه ومريديه بالإضافة للمشاهدين ومنتجي العمل والمعلنين وما قد يستجد من أنواع البشر ممن لهم أية علاقة بالمسلسل سواء أمام الشاشة أو خلفها.

الثورة ببساطة في \”أستاذ ورئيس قسم\”, كانت من أجل تغيير النظام الفاسد.. النظام الذي يقف عند حدود رئيس الوزراء ولا يتعداها على طريقة \”مصطفي حسين\” و\”وحيد حامد\” وكل من كانت تنتفخ أوداجه بقوله \”أنا معارض\” سواء كان كاتبا أو صحفيا أو فنانا.. قبل أن تبدأ الإرهاصات الأولى في منتصف العقد الأول من هذا القرن مع \”كفاية\” وغيرها، لتعلم هؤلاء المنتفخين المعنى الحقيقي لكلمة \”معارضة\”, ويستمر فيها المؤلف في اتخاذ لبنات بناء عمله من القوالب الجاهزة المحنطة  التي درجنا عليها في أعماله لعادل إمام بالذات, رجل الأعمال الجشع, السياسي الفاسد, اليساري الانتهازي، أو المثقف المعزول عن الشارع وقضاياه في خطابية جوفاء، وغيرهم من النماذج التي يحتفظ بها صاحبنا في الثلاجة ليستخرجها ويكون منها البازل المعتاد، وكخلفية تنغمس فيها الأحداث قليلا وتنسحب منها أحيانا أخرى، لكنها تبقى هناك أمامنا ماثلة, سقيمة بكثرة الإدعاءات وغزارة الكليشيهات القديمة والمستحدثة, مغمورة بعبارات \”يوسف معاطي\” الخطابية الضحلة ومقاطعه الثقافية المقتبسة عن مقتبسين ممن ينثرونها هنا وهناك لتطعيم قطعهم الأدبية والصحفية الهزيلة، والتي يبدو أن \”معاطي\” لا يقرأ غيرها. المسلسل يخاطب جمهوره كما لو أن مؤلفه وصناعه ليسوا من صناع الدراما، بل هم بالأحرى مجموعة من المحللين في إحدى شركات دراسات السوق (ولا أستبعد أن يكون هذا أو ما يشابهه  قد حدث بالفعل).. بنظرة سريعة على السوق الآن، سنجد الآتي من شرائح المستهلكين وأوزانهم النسبية.. هناك الشريحة الكبرى من عموم الجمهور بغض النظر عن التصنيف الاجتماعي أو الطبقي أو العمري، ممن أصابهم اليأس من أحوال البلد المتردية، والتي زادها ترديا العام الأعجف الذي حكمنا فيه مجموعة تتبع أغبى كائنات الأرض وأكثرها إجراما, وبدأوا -إن لم يكونوا كذلك منذ البداية، لكن هذا تصنيف آخر– في إلقاء اللوم على الثورة الأولى في كل ما رأوا أنه مشاكل تسببت فيها الثورة نفسها وليست أعمال وجرائم من كانت الثورة أساسا رد فعل لها، سواء كان رد الفعل ذاك عفويا خالصا أو كان محفزا بشكل ما ممن رأى أرضا خصبة أيضا بسبب قذارات نظام شاخ وبلى وأصبح مثل العجوز المتصابية.

الشريحة الأصغر والتي وإن كانت أصغر كثيرا في العدد والتأثير، لكن يجب أن نضعها في الحسبان, هي التي آمنت بالثورة وبنقائها وضرورتها (بالمناسبة, كتاب دستورنا الرسمي الآن ومن يحكمنا يندرجوا بإقرارهم الشخصي وتصريحاتهم تحت هذه الفئة), لذا فيجب أن يستمر العمل بالتفاصيل الصغيرة والإشارات العديدة وأحيانا ببعض المشاهد الصريحة المتناثرة في تذكير المشاهد بكل السوء والبؤس والفوضى والمعاناة التي تسببت فيها الثورة، لكن يجب أيضا أن نحافظ على الخط العام الذي يعترف بشرعية الأسباب التي أدت لها ومعقوليتها، ويدين تلك الأسباب ومن ورائها إلى الحد الذي تسمح به ظروف \”الانتاج\”.

نسينا أن نذكر القارئ بشريحة أخرى معقولة الحجم  قد تكون منفصلة وقد تتخلل بعضا من الأولى وقليلا من الثانية، هي محبي عادل إمام الذين لا يكترثون لما يقول أو يفعل طالما هو هناك يوزع التعليقات الساخرة والنظرات المحملقة والقبلات، وبهذا تكون الخلطة موزونة ومتسقة, وسترضي جميع الأذواق بشكل أو بآخر أو على الأقل لن تتسبب في الكثير من التلبك المعوي، حتى وإن كانت \”عديلة\”، قد أحضرت معها \”بيضا\” أكثر من اللازم بكثييير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top