حسام علوان يكتب: من عسكري مرور إلى السعفة الذهبية.. أن تكون عباس كياروستامي

يوم 22 يونيو اللي فات، عباس كياروستامي تم خمسة وسبعين سنة, وفجأة افتكرت فصيدة ليه بيقول فيها:

\”ولقد أتيت مع الريح

في أول أيام الصيف

وستحملني الريح بعيدا

في آخر أيام الخريف\”

كياروستامي بينتمي لفصيل من السينمائين قدروا يجددوا في سينما العالم ويعبروا عن هوياتهم القومية من خلال السينما, زي الهندي ساتياجيت راي والياباني اكيرا كيراساوا وغيرهم. وده بيفكرني باللي قاله أكيرا كيروساوا عن كياروستامي: \”الكلمات لا يمكن أن تصف مشاعري تجاه أفلامه العظيمة ولا يمكنني سوى تقديم النصح بمشاهدتها… عندما توفي ساتياجيت راي، كنت مكتئبا جدا، لكن بعد رؤية أفلام كياروستامي، شكرت الله على أنه أعطانا الشخص المناسب ليأخذ مكانه.\”

كياروستامي بحسب أحد النقاد بيختلف عن باقي السينمائيين بإنه اخترع نوعا سينمائيا, وأصبح النوع ده طريقة بيمشي عليها السينمائيون اللي جم بعده. بالمعنى ده كياروستامي بقى شيخ طريقة: طريقة تفكير في السينما بتمزج ما بين جماليات اللقطة الطويلة والحكي الشفهي والتأثر بالتراث الشعري الإيراني الممتد من حافظ الشيرازي إلى فروغ فرخزاد اللي هما التأثيرين الكبيرين على أعماله السينمائية أو صوره الفوتوغرافية أو أشعاره.. كل ده خلق سينما إيرانية لها جمالياتها الخاصة اللي بتمتد من قبل كياروستامي من سهراب شهيد ثالث وداريوش مهرجويي وبتمتد من كياروستامي لأجيال مختلفة من السينمائيين الإيرانيين اللي جم بعده زي جعفر بناهي وبهمان غوبادي وغيرهما.

البدايات:

كياروستامي  التحق بكلية الفنون الجميلة في طهران, وتخصص في الرسم والجرافيك، كطالب كان كياروستامي بيصرف على نفسه من خلال شغله كعسكري مرور, وبعد كده من خلال شغله كمصمم  للبوسترات والإعلانات وأغلفة الكتب ورسم كتب الأطفال، لكن بالتأكيد ده كان له أثر على دراسته, أو زي ما بيحكي: \”درست في مدرسة الفنون الجميلة لمدة 13 سنة.. الأربع سنوات الدراسية أصبحت 13 لأني كنت طالبا سيئا جداً, في الأغلب لأن ذهني كان أسرع من يدي.. لم يمكنني تقبل أو الاعتراف بما كنت أرسمه لأني كنت أعرف أنه سيء, وكنت مؤمنا أن قدرتي على الرسم قد وصلت لمنتهاها, فبدأت في عمل كليبات دعائية, وكتب للأطفال, وصممت أعمال جرافيك وصممت بوسترات ولوحات الأسماء للأفلام. بعد ذلك اكتشفت السينما, فألهمتني, وأدركت أنه يمكنني أن أذهب أبعد من الآخرين في هذا الشكل الفني، لكن كانت سنوات الدراسة الثلاثة عشر صعبة جدا.. في النهاية قررت المدرسة منحي درجة البكالوريوس وأطلقت سراحي.\”

قرار كياروستامي بإنه يبقى مخرج سينمائي في سن التلاتين سنة 1970 كان في حد ذاته منعطف مهم في تاريخ السينما الايرانية, لما  قام بتأسيس قسم للانتاج السينمائي في \” مؤسسة التطوير الفكري للأطفال و الفتية\” و دي مؤسسة كانت أسستها فرح ديبا بهدف ربط الأطفال و الشباب الايرانيين بالثقافة الانسانية , و لما أسند لكياروستامي ادارة قسم خاص بالسينما,  قرر إن القسم دا يكون منتج للأفلام الفنية الإيرانية  في مقابل الأفلام التجارية الايرانية السايدة وقتها, و ان القسم يدي الحرية الكاملة للمبدعين في اختياراتهم الفنية, و بالفعل القسم قام بانتاج  مجموعة من أهم أفلام السينما الايرانية الجديدة, و منها أفلام عباس كياروستامي زي \”المسافر\” و\”واجب منزلي\” و\” أين بيت صديقي\” و\”الحياة و لا شيء آخر\” وغيرها من الأفلام اللي لفتت أنظار العالم للسينما الإيرانية الجديدة. قسم السينما اللي أسسه كياروستامي انتج كمان أفلام لسهراب شهيد ثالث, وبهرام بيضائي, وأمير نادري, ومجيد مجيدي اللي فيلمه \”أطفال الجنة\” من انتاج نفس المؤسسة اترشح لجائزة الأوسكار أفضل فيلم أجنبي, بالإضافة لأنها أصبحت أكبر منتج لأفلام الرسوم المتحركة في إيران واللي عددها زاد عن 200 فيلم، وكان من الطبيعي إن الأفلام الأولى من انتاج المؤسسة تحمل توقيع كياروستامي, ورغم إنها أفلام قصيرة أبطالها أطفال, لكن أهميتها إنها وضعت أساسا لإن الطفل يكون عنصرا أساسيا في السينما الايرانية الجديدة, وكان فيلم \”الخبز والزقاق\” أول فيلم من انتاج المؤسسة ومن اخراج كياروستامي.

فنان السينما:

في أحد تصريحاته الصحفية قال كياروستامي إنه بيقدر التقنية السينمائية لكنها مابتعنيهوش بشكل شخصي. وأنا اعتقد إن ده مدخل رئيسي لفهم انجاز كياروستامي السينمائي. فكياروستامي اللي جاي من خلفية فنان تشكيلي وبصري ماكانش عنده اعتراف بما هو متفق عليه كقواعد للفيلم السينمائي, وقرر من البداية إنه يسمح لنفسه بمساحة واسعة من الارتجال تمكنه من تمثيل الواقع سينمائيا.

ورغم شهرته الواسعة و خصوصا بعد حصوله على السعفة الذهبية في مهرجان كان, بتفضل أهم سمة في كياروستامي إن الجوايز ماغيرتوش, وفضل محتفظ بنظرته لنفسه كفنان. بيحكي كياروستامي إنه من الصعب يعدي عليه شهر من غير ما ينتج عملا فنيا سواء كان العمل ده فيلم أو قصيدة أو صورة فوتوغرافية, لكن بدون ما يطغى ده على هوياته: \”أقضي الكثير من الوقت في ممارسة النجارة.. لا شيء يمنحني الشعور بالرضا الذي يمنحني إياه نشر قطعة من الخشب.\”

الاحتفاظ للذات بمساحة التعجب هي سمة أساسية من سمات سينما كياروستامي, السينما اللي بتوجد في قلب الحياة وفي قلب الواقع, لكن بتفضل سينما كياروستامي هي انعكاس لشخصيته الفنية أكتر منها انعكاس لأي شيء تاني.

\”أفلامي تتقدم نحو نوع معين من البساطة، على الرغم من أن هذه البساطة لم تكن مقصودة أبدا، لكنك تجد أن العناصر التي يمكن حذفها قد تم حذفها بالفعل، ولقد نبهني لذلك شخص أشار إلى لوحات رامبرانت وأسلوبه في استخدام الضوء، و كيف يسلط الضوء على بعض العناصر والبعض الآخر يحجبه أو حتى يدفعه للخلف في الظلام. هذا شيء نقوم به أيضا، حيث نلقي الضوء على العناصر التي نريد التركيز عليها.. أنا لا أدعي أو أنكر أنني فعلت شيئا من هذا، لكنني أعتقد في طريقة روبير بريسون في الإبداع من خلال الحذف، وليس من خلال الإضافة.\”

إزاي  الفيلم بيبدأ عند كياروستامي:

من المعروف عن كياروستامي إنه مابيكتبش سيناريوهات لأفلامه, وبيفضل إن الارتجال يبقى هو سيد الموقف، لكن من خلال نوع من التقنين المحكم, أو زي ما بيقول كياروستامي:

\”ليس لدي سيناريوهات كاملة لأفلامي.. لدي مخطط عام وشخصية في ذهني، وأنا لا أكتب ملاحظات حتى أجد الشخصية التي في ذهني في الواقع. عندما أجد الشخصية، أحاول قضاء بعض الوقت معها للتعرف عليها بشكل جيد للغاية. لذا ملاحظاتي ليست من الشخصية التي كانت في ذهني من قبل، لكنها تعتمد بدلا من ذلك على الناس الذين التقيت بهم في الحياة الحقيقية. انها عملية طويلة، قد تستغرق ستة أشهر. أنا فقط أكتب الملاحظات، وأنا لا أكتب الحوارات بالكامل. لذلك عندما نبدأ التصوير ليس لدي بروفات مع الممثلين على الإطلاق. لذلك، بدلا من سحبهم نحوي، أرتحل أنا قريبا منهم، لذلك تكون أفلامي أقرب كثيرا للشخص الحقيقي من أي شيء أحاول أنا خلقه.. أنا أعطي لهم شيئا لكني أيضا آخذ منهم.\”

وبيعتبر كياروستامي واحد من أهم مخرجين العالم اللي طوروا جماليات الواقعية الجديدة الإيطالية: التصوير في أماكن طبيعية, الاعتماد على مصادر الإضاءة الطبيعية, العمل مع ممثلين غير محترفين والاعتماد على الحكايات البسيطة: \”ربما أكثر من كوني حكاء، أنا مستمع للقصص.. أنا أستمتع حقا بالاستماع للقصص, وأحتفظ بها في ذهني.. كل أفلامي هي عبارة عن مجموعة من القصص الصغيرة التي حكيت لي. وإذا ما كنت مهتما بمعرفة كيف أختار طلابي في المدرسة في ايران التي أقوم فيها بتدريس السينما, فإنني لا أطلب منهم أن يكونوا قد درسوا السينما أو حصلوا على أي نوع آخر من التعليم بشكل عام.. ما أطلبه منهم هو أن يأتون ويجلسون ويحكون لي قصصا، والطريقة التي يختارون بها قصة وكيف يحكونها، بالنسبة لي هي أفضل المعايير للحكم ما إذا كانوا يصلحون لصنع الأفلام. لا يوجد شيء أكثر أهمية من أن تكون قادرا على حكي قصتك شفويا.\”

من ضمن المحاور الكبيرة في فهم سينما كياروستامي هي علاقته بالممثلين غير المحترفين في أفلامه، أو زي ما بيحكي: \”الممثلين غير المحترفين من الممكن ألا يصلوا بسهولة للإحساس المطلوب حتى إذا أعطيتهم الحوار كاملا, ولذلك يلزم المخرج الذي يعمل مع ممثلين غير محترفين أن يخلق هذا الإحساس, ولا يطلبه منهم وإلا فإنه سيكون مفتعلا، لذلك من المهم جدا تهيئتهم لهذا الإحساس مسبقا. على سبيل المثال في أشهر أفلامي \”طعم الكرز\” – حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان سنة 1997- طلبت من مهندس الصوت أن يسجل لي وأنا أتحدث عن السيد هاميون إرشادي الذي تم اختياره ليكون بطل الفيلم وأنا أقول عنه \”لسوء الحظ لم أحسن الاختيار. وجه هاميون جيد، لكن لا توجد لديه أي موهبة\”, وتطوع مهندس الصوت باسماعه التسجيل على أنه ما قلت عنه من ورائه.. كان هذا كافيا ليجعل هاميون يمثل طوال الفيلم وهو في حالة الاكتئاب التي كنت أريدها منه, لقد شعر بأنه عديم الفائدة. وكان أدائه رائعا كما توقعت حين أخترته للتمثيل بالفيلم.. بالطبع أصبح ممثلاً محترفاً بعد ذلك, لكن يظل \”طعم الكرز\” هو أفضل أفلامه.\”

العلاقة بالواقع وعناصر الطبيعة:

من المعروف عن أفلام كياروستامي إننا بنلاقي فيها بشكل رئيسي إما لشخصية رئيسية بتسوق عربية, إما بتدور أحداث الفيلم جوة عربية, ومن المعروف عن كياروستامي إنه ممكن يسافر مسافات طويلة لاستكشاف مكان لتصوير فيلم من أفلامه, وبالتالي يتحول المكان بجمالياته لبطل رئيسي, وعن علاقته بعربيته بيحكي كياروستامي: \”سيارتي هي أفضل صديق لي.. هي مكتبي ومنزلي ومكاني.. يكون لدي شعور حميم جدا عندما أكون في سيارة مع شخص يجلس إلى جواري. نكون حينها في مقاعد مريحة أكثر من أي مقاعد أخرى لأننا لسنا في مواجهة بعضنا البعض، لكن نجلس جنبا إلى جنب.. نحن لا ننظر إلى بعضنا البعض، لكن ننظر لبعضنا فقط عندما نريد.. نحن مسموح لنا أن ننظر حولنا دون أن نبدو وكأننا نتجاهل أحدنا الآخر.. لدينا شاشة كبيرة أمامنا وشاشات جانبية. الصمت لا يبدو حينها ثقيلا أو صعبا.. لا أحد يخدم أحدا. وجوانب عديدة أخرى، وبالتأكيد أهم شيء هو أنها تنقلنا من مكان إلى آخر.\”

ورغم علاقة سينما كياروستامي بالواقع، لكنه مؤمن أن الفنان السينمائي مش بينقل الواقع، لكن بيعيد خلقه, وبالتالي بيسمح لنفسه بمساحة إنه يتلاعب بالشكل الفني.

وبالتالي ده خلق مستوى أبعد للواقع بمعناه المتعارف عليه, وبيدخل فيها التخطيط بشكل رئيسي شبه إنه يحط الكاميرا ويفتح مساحة للحوار حوالين موضوع معين, وإذا ماعجبوش يلغي الصوت زي ما عمل في نهاية فيلم \”لقطة مقربة\”، لما قطع الصوت عن غريمه محسن مخملباف واستبدله بالموسيقى، لكن كمان بنلاحظ في أفلام كياروستامي تلاعبه بعناصر الطبيعة , ومن ضمن الأمثلة فيلمه \”بيضات النوارس\”:

\”صورت فيلم \”بيضات النورس\” على يومين.. يوم والبحر هاديء, ويوم والبحر صاخب.. اعتقد إننا استخدمنا حوالي عشر كاميرات أثناء التصوير.. لم نجد أي بيضات نورس لنستخدمها في التصوير, لكن من سيعرف أي بيضات كانت على أي حال؟, أتينا ببيضات أوز ولوناها باللون البرتقالي. وفي كل مرة كان البحر يبتلع بيضة من البيضات كانت النوارس تصرخ في حزن.\”

شيء تاني بيأكد علاقة كياروستامي القوية بالطبيعة هيا مقارنته لنفسه دايما بالشجرة:

\”أشعر وكأنني شجرة.. الشجرة لا تشعر بالواجب لأن تبدأ في فعل شيء ما للأرض التي اتت منها.. الشجرة تؤتي ثمارها، وأوراقها وأزهارها. \”

ويمكن كونه بيشوف نفسه على إنه شجرة هو اللي خلق ارتباطه بإيران:

\”عندما تأخذ شجرة فاكهة متجذرة في الأرض، وتنقلها من مكان إلى آخر، فإنها لن تثمر فواكه، وإذا أثمرت فإن الثمرة لن تكون جيدة كما كانت في مكانها الأصلي.. هذا هو حكم الطبيعة.. اعتقد أنني لو كانت قد غادرت بلدي، فإن حالي لم يكن ليختلف عن حال الشجرة \”.

كياروستامي كمعلم سينمائي:

من المعروف عن كياروستامي حبه لتعليم ورشات العمل لتخريج المخرجين، مش في إيران بس، لكن في العالم, وفي أحد الورش اللي درسها، كان فيه اتفاق مسبق مع هيئة الإذاعة البريطانية على إنها تذيع كل يوم لمدة عشر أيام هي عدد أيام الورشة فيلما يقوم بإخراجه طالب من الطلاب بمعدل فيلم جديد كل يوم بدون معرفة إيه الفيلم اللي هيطلع، ودي في اعتقادي أهم طريقة للتعليم عند كياروستامي \”عاوز تكون مخرج سينمائي.. إخرج.\”

وبمعنى ما، بيشوف كياروستامي إنه من الأفضل إن السينمائي يخرج فيلمه من إنه يركن جنبه ويقعد سنين يحضرله , أو زي ما بيقول: \”عندما أتحدث إلى بعض من صناع السينما الشباب، أجدهم قلقين جدا على أفلامهم، وفي نهاية المطاف، هذه الحالة من الشعور بالقلق تعكس نفسها وتساعد العمل في شكله النهائي، بينما المشاريع التي يجري التخطيط لها بدقة، تنظر على النتيجة النهائية، فتجدها ممتلئة بالفراغ.\”

وكياروستامي بيبرز أسمه ككاتب للسيناريو في أفلام إيرانية كتيرة منها أفلام روائية أو أفلام قصيرة بعضها لمخرجين شباب بيخرجوا لأول مرة, ويمكن من الأفلام اللي تذكر ليه ككاتب سيناريو فيلم \”البالون الأبيض\” لـ جعفر بناهي اللي حصل على الكاميرا الذهبية في مهرجان كان كأحسن عمل روائي أول.. جعفر بناهي وقتها كان بيشتغل مساعد مع كياروستامي  في \”عبر أشجار الزيتون\” سنة  1994، وكياروستامي قعد يشجع فيه عشان يعمل فيلمه الأول وقاله إنه هيكتبه له، فلما بناهي سأله امتى، قاله: \”هات مسجل بكرة معاك وإحنا رايحين نصور\”، وبقى جعفر بناهي بيروح التصوير ومعاه المسجل ويقعد في عربية المخرج جنب كياروستامي وكياروستامي يحكي السيناريو وجعفر بناهي يسجل وراه و يروح البيت يفرغ التسجيل ويكتب السيناريو.

و في اعتقادي إن فعليا كياروستامي مابيكتبش سيناريو لحد, هو كبيره زي ما عمل مع جعفر بناهي يملي السيناريو أو يكتب صفحتين معالجة ويديهم للمخرج.. الفكرة إن كياروستامي بيدي للمخرج مع الصفحتين دول اللي هو أهم من السيناريو، وهو إزاي إنه كمخرج يبص للعالم ويبتكر طريقته للخلق الفني.

الإبداع السينمائي والحرية:

في اعتقادي إن كياروستامي من أكتر مخرجين العالم اللي بيبصوا للانتاج السينمائي بمعيار أخلاقي.. بعض المخرجين وبالأخص في أوروبا ماعندهمش مشكلة إنهم يصرفوا ميزانيات مهولة على أفلام مش هيشوفها حد أبعد من جمهور المهرجانات اللي هتتعرض فيها قبل ما تمحوها تماما ذاكرة الانسانية.

كياروستامي على العكس اتسأل في حوار من حواراته إذا كانت أفلامه لها جمهور في إيران, فقال إن الجمهور مش أحد المعايير اللي بيشتغل عليها, لإنه بيعتقد من ناحية إن كل فيلم له جمهور معين هيوصله في النهاية, وثانياً لإن أفلامه قليلة التكلفة وبالتالي فهي عمرها ما هتخسر.

طبعا بعدين أفلام كياروستامي بالأخص بعد السعفة الذهبية بقت أفلام تكلفتها عالية, وبالأخص بعد ما صور أفلام في إيطاليا وفرنسا واليابان, لكن في رأيي إن كياروستامي خلق أسلوبا سينمائيا يمكنه حتى لو مش معاه مليم يعمل فيلم سينمائي, وبالتالي خلق مفهوما يخصه فيما يتعلق بالحرية الإبداعية سينمائيا.

طبعا الكلام ده ماينطبقش على كياروستامي حاليا، خصوصا بعد ما وصلت أسعار أعماله الفوتوغرافية إنها تتباع في إيران بحوالي 30 ألف دولار للصورة, وبالتالي مش محتاج إنه يجمع ميزانية لانتاج فيلم كبير أكتر من إنه يعمل معرض فوتوغرافيا، لكن ده ماكانش هيحصل غير لو كان احترم حريته كفنان من البداية، فالناس احترمت فنه.

كياروستامي والجوائز:

بمناسبة عيد ميلاد كياروستامي, وصلني من إيران نسخة من كتاب \”رجال في العمل – دروس سينمائية من عباس كياروستامي\”.. الكتاب من الكتب السهلة في قرايتها، لكن ميزته إنه بيفتح محاور تانية للبحث عن كياروستامي، بتخليني أرجع أقرا حوارات قديمة معاه.

لما زورت متحف السينما في إيران من كذا سنة، لفت انتباهي إن كياروستامي اتبرع للمتحف بالجوايز الأصلية اللي خدها، بما فيها السعفة الذهبية من ضمن مقتنيات كتير من بينها لوحات أهداها له أكيرا كيارساوا، على عكس واحد زي مخملباف إدى للمتحف صور من الجوايز اللي خدها.. لما كياروستامي قال إنه ماعادش عاوز يدخل مسابقات لإن ماعندوش حتة يحط فيها الجوايز، بدأت مؤسسات السينما تديله جوايز انجاز مدى الحياة، ومن الحكايات اللي بحبها عن كياروستامي إنه لما أدوله جايزة إنجاز مدى الحياة في مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي راح يحضر مراسم توزيع الجوايز الممثل الإيراني المهاجر بهروز وثوقی، فكياروستامي ندهله على المسرح وإداله الجايزة تقديرا منه لإنجازه. بالنسبة للأمريكان كانت صدمة، لكن بالنسبة لكياروستامي كانت تقدير صديقه ليه أهم من أي جايزة وحب يقوله إنه بيقدره هو كمان.. اعتقد يومها إن كياروستامي أثبت إن الفنان مش بالجوايز اللي بياخدها، لكن بتعاملاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top