محمد حسام أبو مندور يكتب: ملعون أبوه مسلسل

الذعر والذهول، هذا ما شعرت به عندما شاهدت إعلان محمد صحبي الجديد لحملة \”معا للقضاء على العشوائيات\”، وتساءلت: هل إلى هذا الحد أصبح الإنسان ماديا، لا يتعامل إلا بالأرقام والمصلحة، أعلم أن العالم تغير واصبح عالما من الأرقام والحسابات، عالم يُقاس فيه كل شيء.. الحب والنجاح والدين والعلاقات الأسرية.

لكن فكرة الإعلان كانت صادمة ومؤلمة، فالدعوة لمساعدة قاطني العشوائيات لمجرد أن وجودهم سيُغرق السفينة، تخلع عنهم صفة الإنسانية، وتجعلهم مجرد مشكلة أو عقبة في حياتنا، ولإزالة العقبة وحل المشكلة يجب التبرع لبناء مجمعات سكانية لهم، حتى تصبح مصر قريبة وجميلة، ونعيش فيها دون مضايقات وقلق على المستقبل.

ويكرس الإعلان فكرة أن سكان العشوائيات المختلفين في الشكل والثقافة \”بلطجية\”، ولهذا سنبني لهم مساكن \”إتأوه\” كي نتقي شرهم ونبعدهم عنا \”ولا نغرق\”، وهذا ينفي كونهم بني آدميين لهم الحق في السكن الصحي والطعام النظيف وأن أموالنا التي نتهرب من دفع ضرائبها لسبب أو لآخر وندفعها كتبرع، ليست هبة ولا منحة، وتجعلنا نتعامل معهم على إنهم مواطنين من الدرجة الأقل، ونصبح متعاطفين لا إراديا مع تبرعات المرض على الرغم من قدرتنا على وقاية أنفسنا من الأساس من المرض عن طريق الاهتمام بسكان المناطق العشوائية.

وعموما فكرة التبرع ليست مجرد أموال تدفع، إنما هي إحساسنا أن واجبنا مساعدة ما لم تخدمه الظروف ليصبح في ظروف أفضل لكي يصبح انسانا له سكن وطعام وعلاج، وليشعر أننا لسنا ضده، وإنما معه نشعر به ونحاول تغيير ظروفه، ومجرد إحساس أهالي العشوائيات أننا معهم يعطيهم أملا أننا لن ننساهم وأمان أننا سندافع عن حقوقهم حتى لو لم نساعدهم ماديا، وعلي الرغم أنه فعلا تعاطفك فقط لن يفيد، لكنه الأساس الذي يبنى عليه كل شئ،  فتجاهل المشاعر والإحساس والتعامل بشكل المصلحة فقط، يذهب بنا إلى  الحلول الشمولية المتطرفة، والتي تصل إلى إعدام من هو غير ذو قيمة مضافة في المجتمع والمعاقين.

ربما ما زاد ذعري هو أن صاحب الحملة هو الفنان محمد صحبي وفي الحقيقة لا أدرى إن كان مدركا لخطورة رسالة الإعلان أم لا، لكن في الحالتين هناك كارثة، وعند النظر بعمق أكثر نرى أن الفنان محمد صبحي ليس ذا صفة، فمشكلة العشوائيات وسكانها حلها تعديل السلوك عن طريق التعليم وهذا دور الحكومة ومرة أخرى لا اعرف إن كان السيد محمد صبحي يعرف أن التعليم إحدى واجبات الحكومة أم يعلم، لكن لا يجرؤ على انتقاد النظام، وفي الحالتين يصبح غير ذي صفة وغير مؤهل أصلا لحل مثل هذه المشكلات الكبيرة.

وعندما اتعمق أكثر في شخصية محمد صبحي، أجد نفسي حائرا بين الممثل والمصلح الاجتماعي، وحتى لفظ المصلح الاجتماعي مشوش ومبهم، لكنني عموما لا اعلم من وكله بأن يصبح مصلحا اجتماعيا، وما هي مؤهلاته، إن كان عمل مثل \”يوميات ونيس\” هو أساس تبني صبحي لشخصية المصلح الاجتماعي، فهو في الأصل مسلسل كوميدي اجتماعي.

في النهاية يبدو أن قدرنا أن نتعايش مع ذل صاحب أول ضربة جوية وآخر هدف في كأس العالم وبطل مسلسل ونيس، لمجرد أن القدر وضعهم في ظروف لم يكونوا يحلموا بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top