علي محمد يكتب: نحو الطمأنينة

 

إزاي الدين يبقى صاحب وونس ودافع، ما يبقاش حمل نفسي وسبب إضافي للحيرة؟

من واقع تجربتي الشخصية، علشان أحب الإسلام واعتنقه من جديد عن إرادة كاملة، أنا أخدت وقت علشان أفَوّر كل المداخل للتكاليف الشرعية اللي عالقة في ذهني من الجمعات والدروس بتاعة أرْزُقِيّة الدّعاة (ودول ياما).

(1) الخروج برة منظور السلطة الأبوية في فهم الدين

المداخل اللي أنا تعبت على ما فورت بعضها دي أنا اقصد بيها فكرة الاستسهال في التربية اللي اتعملت مع معظمنا وهي إني طالما ليا عليك السلطة أنا أتعب نفسي في ترغيبك وإقناعك ليه؟! طالما إنت في مجتمعك لا إنت إنسان كامل ولا ليك حرية اعتناق الأفكار اللي تشوفها صح، طالما إنت طول الوقت مداري رأيك في أبوك وأمك وعمك وخالك وجدك ومدرسك في المدرسة ودكتور الجامعة ورئيسك في الشغل والسياسيين, هنيجي ناخد رأيك في المقدسات؟ هيبقالك رأي في ربك؟ في كتابك المقدس؟ ييجي الداعية من دول بقي ويستغل إنك رايح له متكتف ويدخلك مداخل كلها تلقين وتخويف.

(2) التراث هادي ومرشد أمين

طبعا التّفْوِير ده تم في ضوء خلفية مش بسيطة من دراسة وقراءة واختلاط بمختلف التيارات، طبعا أنا متأثر بمدرسة معينة وهي مدرسة \”التفكير العقلانى\” اللي أسس المدرسة دي سيدنا ابراهيم أبو الأنبياء اللي بعث بالحنيفية واهتدى لله بالعقل، وعبده بالتأمل، والحنيفية دين البعض من اللي كانوا موجودين قبل الإسلام مباشرة، ولما جاء التكليف بالرسالة للحبيب محمد عليه الصلاة والسلام أثنى عليهم بثناء الله علي سيدنا إبراهيم \”إن إبراهيم كان أمة\”، فقال نفس الكلام على ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل، ودول كانوا في مرحلة الجاهلية، لكنهم رفضوا رجس الوثنية وعبدوا ربنا الواحد بالتأمل على ملة سيدنا إبراهيم بعد رحلة بحث طويلة تتبعوا فيها آثار الديانة الأولى (الحنيفية) في كتب أهل الكتاب وقصص الأولين ودول قال فيهم النبي عليه الصلاة والسلام في أكتر من موضع إنهم مسلمين وإن الواحد منهم \”يأتي يوم القيامة أمة وحده\”، المدرسة دي تطورت وحمل رايتها في الإسلام عبر العصور أئمة كتير اتسموا في عصور بأهل الفقه أو أهل الرأي (عكسهم أهل الحديث)، وفي العصر الحديث اتسموا بالتنويريين زي الإمام محمد عبده وتلاميذه.

(3) كل شيخ وله طريقة

مش بالضرورة دخلتي الجديدة لكل حاجة تكون الأنسب لنفسية كل حد، بس لازم كل حد يتأكد إن له دخلة لازم هو يدور عليها، في اللي بيخاف وفي اللي بتاع مصلحته وفي المثالي بتاع المحبة وفي العقلاني وفي الحماسى،
أصلا في ناس ما بتسألش نفسها خالص، بتعيش وتموت تعمل زي الناس، وده صنف مش مذموم طالما ده مش عامل معاه فرق في اعتقاده واقتناعه وأدائه للتكاليف الشرعية، وفي ناس ما بترضاش ده على نفسها.

(4) أنا مش عارفني

لكن بالنسبة لي أنا ما اختارتش الطريق الصعب، لكني أجبرت عليه بحكم تواجدي في أماكن ومواقف وسعت مداركي بشكل طلعني برة نفسي (بأبعادها الكتير تربيتى، بيئتى، وضع أسرتي الاقتصادي والاجتماعى، تركيبتي النفسية، تعليمى، إلخ) شوفت من طبقات الناس وأفكارهم ودياناتهم من التنوع اللي خلاني ما بقتش أنا بعدها، اتحطيت في مواقف إني ادافع عن اللي أنا معتنقه من وجهات نظر كتييير وسمعت نقد لمعتقداتي ولبيئتي ولطبقتي الاجتماعية من وجهات نظر كتير، شوفت الناس من كل صنف باصين لي إزاى، فمبقاش ينفع بعد كل المحفزات للتفكير والدفاع دي لدرجة الابتزاز والابتذال والهجوم والشد والجذب اللي بيتضمن التعميم والأكلشيهات واللا موضوعية أحيانا، إني اخرج من صندوق بيئتي اللي اتربيت فيها وخلفيتي الثقافية والدراسية وكل حاجة وأنحاز لحاجات ملهاش أي دعوة بيها وأتعصب ليها كمان، لحد ما رجعت تاني واتزنت، وأعتقد إن جيلنا معظمه عنده المشكلة دي، إنه انفتح على العالم كله واتصدم وأتاثر وأنحاز واتعصب لأفكار وأشياء لا تمثله في الأساس واضطر يدافع عن نفسه وعن قيمه أو يخلعها عشان يرتاح، وما ارتاحش.

(5) ثم أما بعد

أنا باتعامل بفكر واحد من سكان مكة أول بدء التكليف بالرسالة للنبي عليه الصلاة والسلام، وتأثرت جدا بتعامل الصحابة من كافة الأعمار والطبقات والدوافع وطرق الاقتناع، المرحلة دي من الدعوة فعلا بيظهر فيها قوى القيم الأصيلة للدين ده، المرحلة دي اللي بتختلط فيها طباع البشر وعاداتهم وتقاليدهم العربية بحسناتها وسيئاتها، بيظهر فيها وفاء الصديق، وانتماء أبي طالب، وتحمل سيدنا علي للمسؤلية، وغلظة عمر وقوته في الحق، المرحلة دي مفصلية فعلا هي وكل المراحل اللي شبهها في التاريخ، المراحل الانتقالية بتفرق جدا في الفهم وبتبقى مفاتيح لمراحل تاريخية كاملة.
على سبيل المثال:

من أكتر المواقف اللي مأثرة فيا هو موقف إسلام سيدنا علي كرم الله وجهه واللي كان صبي وقتها وما أسلمش إلا لما استوفى من سؤال النبي عليه الصلاة والسلام واقتنع بالإسلام.

قصة سيدنا سلمان الفارسي أثرت فيا جدا كامتداد للمدرسة العقلانية، والديانة الحنيفية، الراجل ده خرج من طوع أبوه اللي كان من كبار كهنة المجوس، بحثا عن حق لم يجده عنده، لليهودية ثم النصرانية، ثم بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووصف له مكانه وشكله بعلامات، فسار وراء العلامات حتى هدأ وقرت عينه بالإسلام.

فكرة قراءة القرآن بطريقة قراءة سيدنا عمر ليه أول مرة، القراءة بنظرة الناقد تليها القراءة بنظرة المتجرد ثم القراءة بنظرة المسترشد ثم القراءة بنظرة الغواص الذي لا يرى للبحر أولا من آخر لا سماء ولا أرض يلتقط هناك ما شاء من اللآلىء، فهم الشعائر بمفاهيمها الأصلية فهم يدعو للاقتناع بجدواها، أما التعامل مع كل شىء كمسلمات لا يجوز الاقتراب منها أو التفكير فيها وتسطيح كل شىء هو جناية على المسلم.
قيم المرحلة:
من مفاهيم الفترة دي الظاهرة جدا واللي بتفرض نفسها كمحرك أساسي للأحداث ومنطلق أساسي لاتخاذ المواقف هي قيم الحرية، الحرية، الحرية، والتفكير، التفكير، التفكير.
إخراج المعتقد برة ظروف المجتمع.. برة الارتباطات.. برة القيود والآثار المترتبة عليها، بيوصل قيمة الآدمية اللي كرمها الإسلام، إن أنا مش أسير عند قدسية الدين وما يرتبط بها من روابط اقتصادية واجتماعية وثقافية ورسمية، أنا مش أسير أنا بني آدم حر من حقي اقرر، فهم الإسلام بفهم الإنسان اللي كان بيعمل كل المنكرات وعرض عليه الإسلام والإسلام مستضعف، فقرر يسيب كل حاجة ويبقى مسلم ويعاني في ذلك أشد المعاناه ويكمل، البني آدم ده شاف إيه إحنا ما شوفناهوش ياللي اتولدنا في المجتمعات اللي أغلبها مسلمين، العربي ده كانت أخلاقه إيه قبل الإسلام والإسلام فرز الطيب من الخبيث منها وشال التراب من على الجواهر، الإسلام بشعائره لا ينفصل أبدا عن القيم دي، عن الحرية دي، عن الآدمية دي، وإلا ما يبقاش الإسلام نفسه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top