شريف عازر يكتب: أرجوكم لا تهدموا الدولة في لحظة غضب

 

اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات هو علامة فارقة في الصراع مع الإرهاب, فهو يثبت أن الإرهاب في مصر قد اتخذ شكلا منظما جدا، ومؤهل أنه يقوم بعمليات استراتيجية مخطط لها بإحكام. وفي نفس الوقت يثبت
أن تجمع الملايين حول شخص الرئيس والهتاف وإصدار التفويضات على بياض ليست بالاستراتيجية الكافية لمواجهة خطر الإرهاب، وأثبتت أيضا أن الحل الأمني في تضييق القبضة الحديدية حول الحقوق والحريات لم يؤد إلى النتيجة المأمولة، ثم جاء حادث اغتيال النائب العام ليطير أي منطق أو تفكير عقلاني، فصارت المطالبة بالانتقام والتشفي والمزيد من الدماء, بغض النظر عن دماء من, هي المطلب الأكثر جماهيرية حاليا.

لكن هذا ليس الخطر الأكبر.. الخطر الحقيقي هو أن تستجيب الحكومة لمثل هذه المطالب, ضاربة بعرض الحائط القوانين والمحاكمات العادلة، فالفرق بين الدولة وبين الجماعات الإرهابية هو أن الدولة لديها قانونا تحترمه وتسير على أحكامه, بينما الجماعة الإرهابية هي بطبيعة حالها ضد القانون، فعندما تقرر الدولة بنفسها أن تخرق قانونها وتقضي على قيمة القانون والعدالة, فهذا هو اليوم الذي تبدأ فيه الدولة فعلا في الانهيار, لأن عمادها وأساسها وشرعيتها مستمدة من القانون والقانون وحده, فإذا ذهب فماذا يتبقى من الدولة.

وما كنت أخاف منه بدأ يحدث بالفعل, ففي كلمة ألقاها الرئيس السيسي في جنازة النائب العام قال تصريحات مثل:\”خلوا بالكم.. إيد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين، ومش هنستنى على ده، إحنا هنعدل القوانين اللي تخلينا ننفذ القانون والعدالة في أسرع وقت ممكن، وخلال أيام هتتعرض قوانين الإجراءات الجنائية المضبوطة.. إحنا بنقابل إرهاب لازم يبقى فيه محاكم وقوانين تواجه ده، مش هنقعد 5 سنين أو 10 سنين نحاكم، دول بيصدروا الأوامر من داخل القفص، وإحنا هنخلي القانون يواجه ده\”.. طبعا مثل هذه التصريحات إن دلت فتدل على أن الرئيس السيسي يختلط عنده مفهومي العدالة والانتقام، وهذه علامة خطيرة جدا أن رئيس دولة يفتقد للمفهوم الحقيقي للعدالة طبقا لقانون الدولة التي يحكمها.. الأدهى أيضا هو أن مثل هذه التصريحات في دولة تفتقر لمجلس تشريعي ويغيب عنها ممثلين للشعب فيما يتعلق بالتشريع وإصدار قوانين, فإننا أمام مصيبة كبيرة على عدة أصعدة، والآن وبعد أن أصبح القضاء طرفا في المعركة، أصبح الموقف أكثر حساسية من ناحية حيادية القضاء, فغير مقبول إطلاقا أن يكون السلاح الذي تشهره الدولة أمام الإرهاب هو التلاعب بالقانون وإصدار تشريعات معيبة أكثر وفي غياب المجلس التشريعي.

في الوقت الذي تصرخ كل الأطراف مطالبين بالحلول الدموية، يعتبر أي صوت عقلاني مسالم هو خروج عن النص وما يتبعه من اتهامات شديدة على غرار الخيانة والتواطؤ مع الإرهابيين وتأييد الإرهاب وتأييد العنف، للأسف فإن أغلبية المؤيدين للدولة لن يعترفوا أبدا بالفشل الأمني والقانوني في الدولة, لأن هذا الاعتراف ببساطة سوف يقضي على آخر أمل باق لهم في حلم الاستقرار والأمان، فما كان منهم إلا أن يلقوا اللوم على أضعف الأطراف في المعادلة وهم النشطاء والحقوقيون الذين يحاولون أن يعبروا عن صوت العقل في معترك موجة هائلة من الجنون.

أرجوكم لا تطالبوا بالتنازل عن القانون ولا تهدموا دولة سيادة القانون فقط لكي تحققوا الانتقام.. اليوم الذي تتنازل فيه الدولة عن القانون وتدني نفسها لمستوى المجرم، فهو يوم نهاية هذه الدولة.. أرجوكم لا تجلعونا ندفع ثمن لحظة الغضب غاليا.. حق النائب العام الراحل يأتي بالقانون, لا تعطوا الإرهابيين والمجرمين فرصة أنهم ينمو في بيئة غياب سيادة القانون، لأن هذا هو هدفهم.. أرجوكم أرجوكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top