محمد صالح يكتب: "شريعة الغاب".. نبوءة مكي

قد نختلف على نزاهة القضاء والقضاة، أو شموخ القضاء من عدمه، وقد نذهب في اتهام بعض وكلاء النيابة بالتواطؤ مع السلطة التنفيذية ضد المواطنين، في حين أن دورهم هو العكس تماما، قد يرى البعض أن أحكام الإعدام الأخيرة ضد الرئيس المعزول وقيادات الإخوان أحكام مسيسة جائرة ولا تتفق مع حجم الجرائم التي ارتكبتها قيادات الإخوان، لكن يظل منصب النائب العام، النائب عن المجتمع، رأس الهرم في جهاز النيابة العامة، النائب العمومي المختص بالدفاع عن مصالح المجتمع، والمنوط به تحريك الدعوة الجنائية لأي جريمة تقع على أرض مصر، أو خارجها ويكون أحد الأطراف مصريا، يظل هذا المنصب رمزا للمجتمع المصري. ويظل النائب العام بصرف النظر عن شخصه عامودا من أعمدة الدولة. من هنا تأتي رمزية العمل الإرهابي الخسيس ضد النائب العام، بوصفه عملا إرهابيا جبانا ضد المجتمع المصري.

الهجوم هذه المرة لم يكن ضد الداخلية التي تمارس انتهاكا مستمرا لحقوق الإنسان، ولا ضد الجيش الذي قام \”بإنقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب\” كما يؤمن البعض، وإنما يأتي الهجوم هذه المرة ضد النائب العام، النائب عن المجتمع، عن الشعب، وبصرف النظر عن تعاطفنا معه أو ضده، وبصرف النظر عن اختلافنا على أحكام القضاء الأخيرة، أو تسييس القضاء، يظل ذلك الهجوم هجوما ضد أحد أعمدة المجتمع المصري قبل الدولة المصرية، بكل ما يحمله هذا الهجوم من تغلغل إلى رأس منظومة القضاء، واستهانة بالشعب، والأمن، والسلطة مجتمعين.

مع شديد الأسف لا تنمحي من ذاكرتي كلمات المستشار الجليل محمود مكي أثناء أدائه وظيفة مستشار رئيس الجمهورية الإخواني المعزول محمد مرسي بعد أحداث الاتحادية عقب الإعلان الدستوري: \”البقاء للأقوى\” – شريعة الغاب بلا زيادة أو نقصان.. هل كان المستشار الجليل يدرك ما يقوله؟ هل كان يعنيه؟ لا أدري، لكن نبوءة المستشار الجليل مكي بشريعة الغاب هي ما يتحقق اليوم، لم يعد هناك أحد خارج دائرة الخطر، وأصبح الإرهاب الأسود قادرا على أن يطول رأس الهرم القضائي في مصر في ظهر رمضان بحي هيليوبوليس بجانب الكلية الحربية (بكل ما يحمله المكان من رمزية أيضا)، مثلما كان الإرهاب قادرا على أن يطول جنودا تجتمع على مائدة للإفطار في صحراء سيناء.

وبصرف النظر عن الجهة التي قامت بتنفيذ العملية، وبصرف النظر عمّا إذا كانت العملية رد فعل على أحكام الإعدام الصادرة بحق قيادات الإخوان، أو أنها على العكس فعل يسعى لخلق رد فعل مساو في القوة في اتجاه تنفيذ أحكام الإعدام، وإجهاض كل مساعي المصالحة، فإن الجو المسموم في أعقاب التفجير الإرهابي كفيل بأن يخلق رغبة حقيقية في صفوف الشعب المصري، للانتقام من الإخوان المسلمين بكافة تفريعاتهم وفصائلهم على كل المستويات، وهو ما سيسمح للسلطة التنفيذية بمزيد من اليد الأمنية المتحررة من أي قيود قضائية بعد استهداف الإرهاب لرمز القضاء.

قد نختلف أو نتفق في كون القضاء كان عائقا لتغوّل السلطة التنفيذية، لكنه في نهاية المطاف كان ظلا خافتا يذكرنا بوجود دولة، وسيادة القانون في هذه الدولة.. الآن وبعد هذا التفجير النوعي الذي يعد تحول نوعي في العمليات الإرهابية في عمق الوطن وليس على أطرافه في سيناء أو في الصحراء الغربية، والذي يأتي في ذكرى ثورة ٣٠ يونيو، لن يكون هناك أي عائق أمام السلطة التنفيذية، بل على العكس، سوف تتحقق نبوءة المستشار محمود مكي بشريعة الغاب، وسوف يقوم المواطنون الشرفاء بدعم وتشجيع السلطة التنفيذية للانتقام بكل دموية وحسم من كل من له علاقة من قريب أو من بعيد بالإخوان الذين لم يدّخروا جهدا على مدار عامين في توفير كل الذرائع الممكنة وغير الممكنة للتنكيل بهم، ظنا منهم أنهم بذلك إنما يشعلون نيران ثورة جديدة، بينما هم في واقع الأمر يشعلون النيران في مستقبلهم السياسي المظلم، الذي لا يبدو له أي أفق في اللحظة الراهنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top