أسامة الشاذلي يكتب: رسالة إلى التنين البمبي

عزيزي التنين البمبي.. اعرف أنك لن تقرأ تلك الكلمات وأنك الآن تحلم بلحظة في حضن خالد ومنال، وأن زنزانتك الضيقة تضيق أكثر بأحلامك التي انخفض براحها كثيراً عن ذي قبل.

لا تفكر في الثبات لأنك ثابت وما عداك متغير في زمن لعق الأحذية، لا تتعاطى ألم الوحشة والافتقاد لأنك لا تغيب عن قلوب وأذهان من يحبونك.

فقط ابتسم، ابتسم وتذكر أننا رغم هزيمتنا ما زلنا نؤلمهم، فيسبوننا ويسبون ثورتنا ويحبسون أفضل من فينا.

يضم السجن الآن في جوارك أحمد دومة وأحمد ماهر ومحمد عادل وماهينور المصري وغيرهم من أولئك الذين كانت أكتافنا في أكتافهم داخل الميدان وفي محمد محمود وفي مجلس الوزراء، حين كنا مجموعة من السذج لا تحركهم سوى الأحلام.

صدقنا أن الحلم قادر على التغيير، وصرخنا حين كبتوا حلمنا بأننا لن ندعهم يعيشون في سلام طالما منعونا من الأحلام.

تخيل يا صديقي، صرنا حتى عاجزين عن الحلم، تركت مصر طريدا وغيري عشرات من الذين هربوا من حلمهم الشهيد، وبقي آخرون يحلمون بالهجرة، تحول الذين واجهوا الرصاص والغاز يوماً ما بصور مفتوحة لمجموعة من الفارين بحثاً عن الحياة.

تحول الحلم إلى حمل، لم تتغير الحروف، فقط تحولت الخفة إلى ثقل.. إلى ملح في العيون والأفواه وفي الصدور بنفس الحروف، لكن بمعنى أكثر ألماً.

ولسخرية القدر يقول شاعر السلطة فاروق جويدة: هذي بلاد.. لم تعد كبلادي.

في الحقيقة أنني اكتشفت أنها لم تكن أبداً بلادي، بلادهم هي، وليست بلادنا.. أولئك الذين تزيد كنوزهم وسلطاتهم كلما زاد عدد الباحثين عن طعامهم في صناديق القمامة، أولئك الذين يروجون للسلطة كلما فسدت أكثر، أولئك الذين كشفت الثورة عن عوراتهم فهبوا لقتلها وقتلنا معها.

لن نموت يا صديقي، حتى بعد أن سلمنا بالهزيمة، حتى بعدما مرت أحلامنا من ثقب إبرة وصار سقفها لا يعلو سقف الزنزانة، لكننا سنجلس يوما سوياً لنضحك إما على مصيرهم أو حتى على خيبتنا، لن يسعنا في المستقبل سوى الضحك، لأنك تعرف كما أعرف أننا المهزومون الشرفاء الذين لم ينحنوا يوماً ولن ينحنوا، وما أروع أن تموت في فراشك – بعد عمر طويل بإذن الله – دون أن تنحني.

ابتسم يا صديقي أيضاً الآن، لأن خالد لن يرى ما رأيناه وهذا يقين.

اكتب لك هنا لأني عاجز عن أن تصلك رسالتي.

في الغربة يصير الوطن أكثر حميمية ويصير العجز رفيقاً لا عدواً، فرج الله كربتك وأعاننا على حياة كالموت.

أحبك كثيراً يا صديقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top