في ذكرى وفاته العشرين.. وائل حمدي يكتب: عن الطيب

أسطورية هذا الرجل بالنسبة لي تبدأ من اسمه، فهو اسم مليء بالإيحاءات والإسقاطات على أعماله، للدرجة التي تدفعك للاعتقاد بكونه اسما مستعارا، تم انتقاؤه بعناية.. كما أن دأبه المتفاني في العمل، رغم معرفته المبكرة باعتلال قلبه، يضفي مسحة تراجيدية مؤثرة على مسيرته، فقد أنجز بقلبه المجهد 21 فيلما (لم يصل أيا من أبناء جيله لهذا الرقم حتى الآن)، وهي ليست أفلاما والسلام، فأغلبها علامات لا تخطئها عين متفرج أو ناقد أو باحث في تاريخنا السينمائي (سواق الأتوبيس، البريء، الحب فوق هضبة الهرم، ضربة معلم، الهروب، كشف المستور.. هذه مجرد عينة عشوائية)

لكن يبقى الجانب الأكثر بريقا في أسطورة \”الطيب\”، هو قدرته الاستثنائية على صناعة أفلام تجمع بين: الجودة الفنية العالية، المضمون الاجتماعي والسياسي الواضح، والجماهيرية العريضة التي تكفل له التواجد المكثف في سوق سينمائية متقلبة لا تحكمها أي قواعد.. بسبب أفلام \”الطيب\”، لا أجد في نفسي أي تعاطف مع مخرجين – كبار وشباب- ينعون حظهم السيء، ويحيلون قلة أعمالهم لعدم استيعاب الجمهور لتجاربهم، ويعيشون مأساة رفض السوق لأفكارهم.. ففي النهاية، هذا هو جمهوركم، وهذه هي ظروف الإنتاج في بلدكم.. لن تستطيعوا الفكاك من كلا الأمرين، ولن تحدث معجزة تغير ذلك، فإذا كنتم مخلصين في تقديم إضافة ما، عليكم أن تخلقوا البدائل، وأن تجتهدوا في حل المعادلات الفنية- الإنتاجية- الجماهيرية، بصورة تكفل لكم التواجد المؤثر.

أكثر من صديق، يستفزهم انحيازي السافر لسينما \”الطيب\”، يقولون لي \”لو مد الله في عمر الرجل، لعجز عن الاستمرار في ظروفنا الحالية\”.. حسناً، مع أن \”لو\” تفتح أبواب الشياطين، إلا أن التاريخ سيذكر أن اثنين من أفلامه عرضا تجارياً عقب وفاته (ليلة ساخنة، جبر الخواطر)، وأنه كان يجهز لفيلم ثالث (نزوة، الذي أخرجه علي بدرخان) وذلك في عز أحلك أزمات السينما المصرية.. كما سيذكر أنه تبنى مشروعاً من بطولة \”هنيدي\” و\”علاء ولي الدين\”، مستشرفاً أنهما من نجوم المرحلة التالية (بذرة هذا المشروع تم استكمالها لاحقاً بفيلم \”حلق حوش\”) وهذا يعني إدراكه المبكر لما طرأ على السوق والجمهور من تغيرات في الذوق والتوجه.

حين وفاته لم أكن قد أنهيت دراستي الجامعية، فلم يُكتب لي أن أقابل \”عاطف الطيب\” أو حتى أن أحادثه هاتفياً.. لكن حصر علاقتي به في ميراث أفلامه والأرشيف المتواضع لحواراته الصحفية، عزز في نفسي مكانته الأسطورية، وخلق بداخلي مثلاً أعلى نادر الوجود، وأصبحت ذكرى وفاته تأتيني كل عام بوخز لذيذ رغم ألمه، لثقتي أن الله اصطفاه في ذروة إبداعه تكريماً لسيرته.. رحمة الله عليك يا \”عاطف\”، وكل سنة وانت \”طيب\”.

للتواصل مع الكاتب

hamdy_wael@yahoo.com

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top