(1)
حكت لي أمي عن صندوق الدنيا, أو كما تحب أن تسميه \”صندوق العجب\”، هو صندوق طوله متران, ارتفاعه متران وعمقه لا يتجاوز 60 سم.. مزركش برسومات ملونة بكل ألوان الطيف، وفيه من 6 لـ 10 فتحات دائرية بقطر لا يتجاوز 15سم, كل منها مغطاة بزجاجة مكبرة لكي يتسنى للناظر أن ينظر من خلالها داخل الصندوق.
وفي داخل الصندوق بكرة على كل طرف مثبت عليها صور, تماما مثل الفيلم داخل الكاميرا, ويقوم صاحب الصندوق بلف البكرة لتظهر صورة تلو الأخرى أمام الناظرين ويحكي أحداث كل صورة رابطا بين الصور بعضها وبعض, صانعا قصة جميلة.
تظن أمي أن صندوق الدنيا لم يعد له وجود, لكني لا اوافقها الرأي مطلقا, فلازال في كل بيت في العالم صندوق دنيا –مع اختلاف حجمه وثقله وارتفاعه- يربط الصور ببعضها البعض, يتأثر بنا ويحكي لنا قصصنا.. هذا الصندوق هو التلفزيون.
بالرغم من انتشار وسائل المشاهدة الحديثة مثل اليوتيوب, إلا أن للتلفزيون سحرا خاصا, تحلو اللمة أمامه وتدور النقاشات حوله ويستخدمه الكثيرون كـ \”ونس\”.
من هنا كان أهم ما يميزه هو الإعلانات، وبسبب علم الشركات الدعائية، تشاغلنا عنها بالطعام أو قضاء ما تعذر علينا فعله أثناء متابعة الفيلم أو المسلسل, كان لابد لها من أن تبذل قصارى جهدها في أن يظل كرسي المشاهد دافئا, ليتابع إعلاناتها.
(2)
بدأت معركتي مع الإعلانات المصرية منذ بضعة سنوات.. بالتحديد في رمضان، يوم أن رأيت إعلان ييريل الذي تناول صفات الأبراج وحللها ما بين الذكر والأنثى, وقرر أن تصرفات الشجاعة والقوة والفتونة حكرا على الرجل, تاركا صفات الحياء والحنان والزن والنكد وحب المظاهر للمرأة, كل هذا تحت شعار \”طلع الدكر اللي جواك\”.
يومها أحسست أننا بصدد ظاهرة جديدة لا تزال في بداياتها، لكنها ستتزايد وتستفحل وتتبوأ موقعا كبيرا في المجتمع, وقد اثبتت لي إعلانات شيبسي \”ماتوقفش الضحكة عندك\” ومولتو \”اليوم محتاج حضن\” صحة كلامي, وتيقنت بسببها من مدى انعكاس بؤس المجتمع على الإعلانات, ذلك المجتمع الذي تنعدم فيه الضحكة والحضن, أبسط التعبيرات الإنسانية عن الحب وأكثرها بهجة ودفئا!
مع الوقت, اصبحت الإعلانات مادة مهمة وقوية تؤثر في المجتمع وتتأثر به, وأخذت الشركات الدعائية والإعلانية تتبارى في إبراز مواهبها واستعراض عضلاتها المفتولة في جذب المشاهد والاستماتة في تعليق ذهنه بالمنتج حتى لو كان هذا على حساب استغلال ثقافة المجتمع الموروثة والموبوءة باعتبارها مادة \”لذيذة\” للفُكاهة غير عابئة بأن ما تفعله يتمثل في السخرية من الأقليات والتقليل من المرأة والتشجيع على العنف الأسري والدعوة للطبقية والعنصرية.
تعلم الشركات الدعائية جيدا أن أقرب طريق لقلب المصري ضحكته، وأن آفة مجتمعنا \”السف\”، فتضغط على حس الفكاهة -الذي لا أراه مضحكا أبدا- المتمكن من قلوب المصريين وتُرسخ بكل ضحكة صادرة من المواطن أفكارا نحاول جاهدين التخلص منها ومعالجتها بشتى الطرق, وتتصيد مظاهر البؤس وتُلمعها وتصدرها للمصري -في شكل إعلان- على أنها شئ عادي نتعايش معه ونحيا به!
بالطبع هذا لا ينفي وجود الكثير من الإعلانات التي تتسم بالإبداع وخفة الدم فعلا، والتي تتناول نفس الثقافة الموبوءة بطريقة تُضحك مع إصابة ضمير المشاهد بوخز خفيف, ليتأملها ويتفكر فيها ويدرك مدى خطأها على عكس تلك السابقة التي تؤكد عليها وتُرسخها، وقد كان رمضان هذا العام – ونحن لازالنا في الخامس منه- سخيا وثريا بما يكفي ليجعلني اقف على بعض المواد الإعلانية التي تثبت تطبع صناعة الإعلان بالمجتمع المصري.
(3)
يجلس فتى بنظارات طبية على طاولة المطبخ, يتناول رقائق بطاطس \”فوكس\” باستمتاع شديد, يقول لوالده: \”عارف يا بابا.. فوكس بيخليني اشوف المستقبل\”، فيجلس الأب إلى جانبه بكل هدوء سائلا: \”فعلا؟\” ثم يضربه بكفه ضربة ينتفض المشاهد على أثر صوتها وقوتها قائلا: \”طب شوفت ده؟\”, اجزم إن كانت حقيقية، لكانت كفيلة بأن تصيب الفتي بارتجاج في المخ!
ينتهي الإعلان بأن \”فوكس\” لا تعطي قدرات خاصة ولا تتميز بأي شئ سوى أنها لذيذة، وبجانب الكيس نرى نظارات الفتى الطبية مكسورة نصفين من وقع الضربة.
عندما رأيت من حولي في المنزل يضحكون بشدة من هذا الإعلان, اُصبت بصدمة عصبية! أردت أن اصرخ.. أنتم تضحكون على واقع بائس! واقع ترسُخ العنف الأسري في ثقافتنا المصرية, واقع أن الضرب هو الحل, هو أول وسيلة يلجأ إليها الآباء في تربية أولادهم, واقع أن الأباء المصريين لا يعرفون شيئا عن قواعد التربية السليمة, التي من أهم اُسسها الاستماع لخيالات الأبناء والإجابة على أسئلتهم العجيبة ومجاراة فكرهم الخصب، فنجد الأم التي تنهر أولادها إذا وجدت أن لديهم أصدقاء خياليين, والأب الذي لا يعطي من وقته ولو سويعات للاستماع لابنائه ولأسئلتهم, نجد معالجة الأباء لكل الأمور بالضرب، مما يُسبب توتر العلاقة وشرخها منذ الصغر وتباعد المسافات بينهم وبين أولادهم.
لم يعالج الإعلان كل هذا القضايا بالضحك, لم يُنبه إلى أن ما يحدث خطأ, لم يُجسم من خطورة العنف الأسري, على العكس, أكد عليه وأثبت أنه شئ عادي يمكن أن نتعايش معه! أثبت أنه من الطبيعي أن يضرب الأب ابنه ضربة بمثل هذه القوة، مسببا كسرا في نظاراته الطبية, أثبت أنه من العادي تماما أن يتقبل الابن مثل هذه الضربة ويتأقلم على هذا الوضع في حياته, لأن من يضربه هو أبوه, ولا يصح مطلقا أن يرفض مثل هذه الطريقة في التعامل من أبويه المنزهين عن كل نقص!
(4)
أكثر ما يزعجني حقا في رمضان, إعلانات التبرعات, فهي تُذكرني دائما بأنني اعيش في بلاد تصبح فيها الحقوق أحلاما!
من حق أي إنسان يعيش في دولة آدمية أن يتوفر له خدمات طبية وعلاجية على أعلى مستوى, ومن حق من يعيشون في القرى والنجوع النائية أن يتوفر لهم الصرف الصحي, والطعام النظيف, وأن تدخُل الكهرباء والمياه بيوتهم – هذا إن وُجد لهم بيت من الأساس – لكن في بلادي, يظل هذا منوطا بالجمعيات الأهلية والمستشفيات التطوعية, ويصبح جُهد توفير الحقوق الأولية الآدمية –التي هي في الأصل واجب على الدولة- عبئا على عاتقها.
ولا يجرمنكم شنآن رأيي على ألا تعدلوا وتتهمونني بانتقاصي أو تقليلي من شأن هذه الجمعيات أو أنني احاول أن اُروج إلى أنها غير فعالة, على العكس, أنا فقط اُحمل الدولة مسؤولية وجود الحالات التي تشحذ بها هذه الجمعيات وتُظهرها في مظاهر –بالرغم من واقعيتها الشديدة- بائسة, حتى تستعطف قلوب المتبرعين!
قرأت منذ يومين حوارا مع مسؤول الدعاية لهيئة التبرع بالدم في السويد, قال إن الهيئة تتبع أسلوبا جديدا في حث الناس على التبرع بالدم, فتبعث برسالة نصية إلى هاتف المُتبرع لتخبره أنه بفضل تبرعه تم إنقاذ حياة \”فلان\”, وقال إن هذا يُشعر الناس بأهميتهم في الحياة وبأنهم ساهموا في إنقاذ حياة أحدهم, فيتبرعون مرارا وتكرارا.
أما في مصر, يجب أن ترى في دعايات التبرعات طفلا هزيلا في سرير طبي تخرج من يديه الأنابيب وتتعلق به المحاليل من كل جانب, يجب أن ترى أسرة تعيش في منزل متهدم ليس به سقف ولا صرف , وأن تستمع إلى طفلة تخبرك عن طول المسافة التي تقطعها لتجلب المياة للمنزل, وبالرغم من تعاطفك مع أسلوب الدعاية الرخيص في تلك الإعلانات، إلا أنك لن تتبرع أيضا, لأن أنت نفسك عايز اللي يتبرعلك!
(5)
فتاة تركب \”فيسبا\”, تحدثها فتاة أخرى من نافذة سيارة تسير بجانب الفسبا سائلة: \”تبيعى؟\” فردت الفتاة على الفيسبا بالإيجاب, فسألتها: \”جراية يعني؟\”، فأجابتها: \”تحبي تشوفي؟\”، ومن أجل أن تثبت صحة قولها، ترتطم عمدا وبقوة بكشك أمامها يبيع الفاكهة، وفي الوقت الذي تتأوه فيه بشدة جراء يديها المجروحة وقميصها الممزق ووجهها الملئ بالدماء, تكافح للوصول إلى حقيبتها لتجلب هاتفها المحمول, ليس لتهاتف الإسعاف مثلا, بل من أجل أن تلتقط \”سيلفي\” توثق به الحادثة على الإنستجرام والفيسبوك!
وينتهي الإعلان بصوت يحثها على الاشتراك في باقة \”السوشيال ميديا بلا حدود اليومية\”، لأن الفرصة تأتي في ثانية ولأنها لن تتعرض لحادثة يوميا! لذلك يجب أن تكون جاهزة دائما لتوثيق اللحظة التي من المحتمل أن تتعرض فيها للموت، لكي تنشرها على السوشيال ميديا, ويختتم الصوت الإعلان قائلا: \”خليكي دايما جاهزة للسوشيال ميديا, واشتهري بقى!\”
يعلم صانعو هذا الإعلان الدور الذي تلعبه السوشيال ميديا مؤخرا في حياة الشباب, وأكاد اجزم أنهم عاشوا حادثة انتحار \”ندى سلامة\” المزعومة، وكيف اشتهرت وتجاوز متابعيها الـ 10 آلاف في ليلة وضحاها جراء تزييف موتها, بل ويعلمون جيدا توق الشباب إلى الشهرة الإلكترونية وحصد الفولورز واللايكس، ولو عن طريق تزييف المشاعر وابتذال العواطف واستبدال الأحاسيس الحقيقية بالإيموشنز.
قرأت منذ يومين مقالا لصديق لي على موقع زائد 18 بعنوان: \”حين تحل الايموشنز محل المشاعر\”, وقد استوقفني جزء قال فيه:
\”لكن يبقى أسوأ شيء على الإطلاق، المتاجرة بالآلام والمشاكل النفسية الشخصية على طريقة إعلانات التبرعات للمرضى والفقراء بابتزاز المشاعر، وبينما تهدف الأخيرة لجمع التبرعات لمبرر نبيل وإن أساءوا السبيل لذلك، تهدف الأولى لحصد اللايكات ليشعر صاحبها بشيء من التقدير لذاته، لكن في أغلب الأوقات لا يعبر ما يكتبه مهما بلغ عدد المعجبين به عن حقيقة شعوره، بل ربما يكون على العكس من هذا، الأمر أشبه بضبط إنسان على تصرفات معينة بالمكافآت والعقوبات، فيتحول لآلة بشرية، في حالة مواقع التواصل، الإعجاب وإعادة النشر وتعليقات الإستحسان تقوم محل العقوبات والمكافآت\”
معك حق يا صديقى, لقد تحولنا إلى آلات بشرية تشعر بتقديرها لذاتها عن طريق مراقبة عدد مرات استخدام خاصية \”إعادة النشر\” لمنشوراتنا على السوشيال ميديا, حتى لو كان هذا الشئ هو توثيق لحادثة مُفزعة أو انتحار بطيء!
(6)
يجلس الأب مع أصدقائه وأسرته في صالون عتيق, ويتناول ابنه \”كرانش\”، يتدخل صديق الأب, الذي قام بدوره الممثل الرائع أسامة عبدالله, مقارنا بين كرانش وبين منتج وهمي \”اسكنشايزر\”, كان يتناوله صغيرا, ويذكر مواصفات هذا المنتج التي من ضمنها أن طعمه \”بيجز\” ويأتي معه جائزة \”نحلة ببزوز\”.. ينفي الابن تماما وجود مثل تلك المواصفات الغريبة في منتج ما قائلا: \”مفيش الكلام ده خالص\”، بينما يؤكد الصديق وجوده, ويتمم الأب على هذا, ويختم الصديق كلامه بأن جيلنا ظُلم كثيرا، لأنه لم يجد مثل هذه المنتجات، ولم يعش مثل هذه الأيام, الايام الحلوة وقت أن كانت الناس حلوة.
تشعر في كلام أسامة عبدالله بأن الاسكنشايزر حقيقي فعلا, وتعيش معه حالة خاصة من النوستالجيا لهذا المنتج, وبالرغم من أنني في العشرينات من عمري, إلا أنني تذكرت بسببه اللوليتا وشوكلاتة ستار وجوليو وكل حلوى طفولتي التي اختفت ما إن خطوت بقدماي خارج مرحلة المراهقة, حينها خفت كثيرا, تخيلتني اجلس مع صديقتي وابنتها اتحسر على أيام زمان، وأتذكر معها حلوى الطفولة, وأصر على أن هذا الجيل لم يعش مثلما عشنا, أيام كيس الجيلي كولا ذي العشر قطع الكبيرة ومصاصة سيكا ذات الصفارة!
من ينفي وجود الهوة السيحقة بين جيلنا وجيل آبائنا, سيغير رأيه تماما بعد مشاهدة هذا الإعلان, وقد ادركت عمق الموضوع حين قام أحدهم بعمل \”كوميك\” على هذا الإعلان مستخدما الاختلاف بين آراء جيل الآباء داعمي الاستقرار والمهلل للجيش، وجيل شباب الثورة!
(7)
هنا سأنحاز تماما لهذا الإعلان, ليس فقط لأنه أعجبني بشدة, لكن لأنني أحسست أنه يخاطبني, أنا وكل شاب في مصر.
يبدأ الإعلان بصوت هاني عادل المميز، وموسيقي فرقة وسط البلد الجميلة, نجد شابا يقف خلف ستارة مسرح, يراجع ما سيقوله ويحاول تهدئة أعصابه بكوب من النيسكافيه, ينظر من وقت لآخر إلى ما وراء الستارة ويندهش من حجم الجمهور العريض, ويتوتر, فيشرب المزيد من النسكافيه، ثم ينتقل بنا الإعلان إلى شباب يطلون حائط بناية ما, وينقلون الأخشاب والكراسي, ويتناوبون توزيع أكواب النسكافيه على بعضهم البعض حتى يتمكنوا من إنهاء عملهم، ثم نجد فتاة تسير في الطريق, وتلمح \”فسبا\” حمراء اللون في أحد المحال, فتختمر الفكرة في علقها وتدلف إليه، وأخرى مصممة أزياء تحاول صنع تصميم ما، لكنها تفشل فيه وتبعثر الأوراق من حولها, وتقوم لتعد كوبا من النيسكافيه ليساعدها على التركيز.
نكتشف في نهاية الإعلان أن الشاب ما هو إلا ستاند آب كوميديان متوتر للغاية، لأن لديه عرضا, لكنه ينجح ويتألق بفضل هدوء أعصابه جراء شرب النسكافيه، ونكتشف أن الشباب يقومون بعمل مشروع كافيتريا متنقلة تُسمى \”عالماشى\”, ونرى أن المشروع يزدهر والناس تتوافد عليه، كما نرى الفتاة التي لمعت عيناها حين رأت الفسبا الحمراء, اشترتها, وقادتها في الطريق والفرحة تتراقص في عينيها, ونجد أن المصممة نجحت أخيرا في تصميم فستان رائع.
فضلا عن أن \”نسكافيه\” قد اختارت فرقة وسط البلد المحببة لقلوب الكثير من جيلنا لغناء الإعلان, وفضلا عن أن كلمات الأغنية ترقص بالبهجة والأمل, داعمة كل شاب لتحقيق حلمه والسعي ورائه, مؤكدة على أن \”الخطوة بألف ميل, تفتحلك الطريق\”, نماذج الإعلان المختارة، هي أكثر ما أوقع قلبي في غرام الإعلان، خصوصا الفتاة التي ابتاعت الفسبا وقادتها في الشارع, وأغلب الظن أن هذا النموذج، ما هو إلا ردا على التعليقات المسيئة على صورة انتشرت على الفيسبوك منذ شهرين لفتاة تقود فسبا في الطريق, فقد اعتبرها الكثيرون \”عاهرة\” مزقت عباءة الحياء, مع إني لم أجد أي عُهر في الموضوع!
تلك النماذج واقعية للغاية, تلك النماذج هي نحن, هي جيلنا الذي يجاهد لكسر التابوهات السخيفة ويُعارك مجتمعا يرغب بشدة في قتل أحلامه, ويسعى دائما لأن يثبت لنفسه قبل الجميع, أنه يستطيع!
(8)
الحق أنني حاولت أن أحلل إعلانات \”ماونتن فيو\”، التي تُغرق القنوات بقوة كل عام, لكنني لم اتسطع, لم اعرف كيف أصنفها, ففي الوقت الذي تدعو فيه إلى الخروج من الشارع المصري البائس المزدحم الملئ بالتحرش والضوضاء, تدعو أيضا بشكل فج وصريح إلى الطبقية وازدراء الفقراء!
تضع \”ماونتن فيو\” مبلغ الـ100 ألف جنية حد أدنى للسكن بها, وبهذا هي تخاطب شريحة معينة من المجتمع المصري, داعية إياهم إلى التنصل والهروب من الشارع المصري بكل اتربته ووغوغائيته، والعيش وسط الخضرة والطبيعة والجاكوزي في سلام.
إن هذا الإعلان –بالرغم من صدقه- بمثابة ضربة موجعة للأمثالنا من أبناء الطبقة المتوسطة.. من يرقصون على السلم.. من هم غير قادرين على تحمل غوغائية الشارع المصري, ولا على إصلاحه, ولا على شراء شقة بربع مليون جنية بالطبع، فأصبح يُنظر إليهم كطفل لقيط, لا يعرف حسبه ولا نسبه ولا مكانه من هذه الدنيا الغرورة!
أصبح الشارع المصري للبرجوازيين ساكني ماونتن فيو بمثابة عشوائيات، وفي الوقت الذي يسعي فيه شاب مصري مكافح لأن يحصل على شقة في مشروع إسكان الشباب، أو يظل يجمع تحويشة عمره ليضعها في شقة ويتزوج, نجد إعلانا بالوقاحة الكافية ليتلفظ بجملة \”قسط بمقدم يبدأ من 100 ألف جنيه\”, وجالك قلب تقولها يا أخي؟!
(9)
لم يسعفني المقال لاذكر كل النماذج الإعلانية, التي تعكس حياتنا ومجتمعنا, لكني اعتقد أنني استطعت أن اثبت لك عزيزي القارئ أن صناعة الإعلان في مصر ما بين السلب والإيجاب تتطور بشدة وبخطوات سريعة غير مسبوقة, لقد اصبح الإعلان بمثابة فيلم قصير, يخاطب عقولنا وقلوبنا, ويؤثر فينا ويتأثر بنا.. إنها القوة العجيبة الكامنة في ذلك الصندوق.. صندوق الدنيا!