نور الدين رفعت يكتب: الدولة العميقة أم الدولة العبيطة؟

 

قبل ما أدخل في الموضوع، لازم أقول معنى كلمة وطن علشان الناس اللي مش مدركة الفرق ما بين الوطن والدولة.. مفيش تعريف للوطن متفق عليه بنسبة 100%، لأن المعنى متغير مع الزمن.. بس ممكن كلنا نتفق إن الوطن مش معناه حُضن على رأي أبانا الذي في المخابرات، لكن باختصار شديد الوطن هو إقليم محدد يرتبط به شعب ارتباطا ثقافيا وتاريخيا ونسبا، وهو يساهم في تشكيل الهوية عموما.

أما الدولة فهي الكيان الذي يدير شئون الوطن. وكل دولة لها أوصاف تليق بهويتها. بالنسبة لدولتنا، وصفها بيتغير حسب أخبار الساعة.. يعني مثلا قبل الثورة إحنا كنا عايشين في دولة مبارك. أسقطنا مبارك ولقينا نظامه مازال قائما. ساعتها زاد استخدام مصطلح الدولة العميقة. أما لما القرارات أصبحت كلها متضاربة، فبقت الدولة العبيطة، ومؤخرا بقيت باسمع من الناس اللي فقدت الأمل تماما إنها الدولة العقيمة.

الموضوع ده استوقفني، وتساءلت عن مصدر المشكلة.. ليه مش قادرين نثبت على مصطلح واحد.. اكتشفت إن المشكلة مش في الكلمة التانية (عميقة، عبيطة، إلخ..)، بل في كلمة دولة نفسها.. هي فين الدولة دي؟ الدولة لها تعريف محدد وفي شروط لازم المنظومة تستوفيها عشان تتسمى دولة. الشروط دي مش مستوفاة بأي شكل من الأشكال في حالتنا.. مش هتكلم عن كل الشروط المطلوبة ولا حتى هدخل في تفاصيل.. المقال دة لمجرد طرح الفكرة مش لدراستها.

أهم شرط علشان نقدر نقول على كيان إنه دولة، إنه يكون بيفصل ما بين التلات السلطات الرئيسية، وهي التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتكون كل منها منفصلة ومستقلة.. في مصر مش بس مفيش فصل ما بينهم.. هي السلطات مش موجودة أساسا.

السلطة التشريعية مش موجودة، لأن مفيش برلمان في مصر.. لو هنتكلم بجد، فالبرلمان مش موجود بقاله سنين طويلة.. كان في مجلس بيتقابل فيه شوية ناس فاسدة وده مش المفروض حد يقول عليه برلمان، وحتى لو اعتبرناه برلمان، فبعد الثورة جالنا مجلس نواب 2012 اللي هو كوميديته كانت بتنافس برنامج \”إديني عقلك\”، وحتى المجلس ده اتحل في يونيه 2012، يعني من 3 سنين.. بقالنا 3 سنين من غير برلمان حرفيا.. مفيش تمثيلية حتى.

أما بالنسبة للسلطة القضائية فمش موجودة برضه.. ماعتقدش في حد في كامل قواه العقلية وعارف يعني إيه قضاء، ممكن يسمي اللي عندنا ده قضاء، ولو سميناه قضاء، فهو مابيقضيش غير بالظلم، وحتى لو هو ده العدل، وأنا مش فاهم، فالقضاء ولا منفصل ولا مستقل.. القضاء مُسيس ويخضع للتفتيش القضائي اللي بيتولاه مفتشين وزارة العدل.

بالعربي.. القضاء بجلالة قدره يخضع لوزارة العدل اللي بتمثل السلطة التنفيذية.. يعني إحنا عندنا في البلد سُلطة واحدة بس، وهي التنفيذية.. السلطة التنفيذية يرأسها رئيس الجمهورية.. حاليا معاه السلطة التشريعية كمان.. يعني رجل واحد معاه مقاليد الحكم كلها.

يبقى حلينا اللغز، ومصر طلعت دولة ديكتاتورية؟!

للأسف لأ! الدولة الديكتاتورية بكل مساوئها بيبقى لها مميزات ولو قليلة.. مثلا بتتأكد من مشاركة الشباب على المسرح السياسي أو على الأقل بتتأكد إن الشباب عنده ثقة في النظام وعنده، أمل لأنها محتاجة طاقتهم.. بتخلي عندهم انتماء للوطن ولهم هدف، ولكم في ناصر خير مثال.

نقطة مهمة جدا إن الدولة يكون لها أهداف ووسائل معروفة لتحقيقها.. حد يعرف إيه أهداف دولتنا؟ عايزة تبقى دولة صناعية ولا زراعية ولا سياحية؟ عايزة تحارب البطالة؟ بتشجع أيدولوݘية معينة؟ في خطة للقضاء على البيروقراطية؟ في أي حاجة تؤدي لتحسين مستوى حياة المواطنين؟ في أي رؤية طيب؟

إذا.. فهي مش دولة ديكتاتورية.. طيب نرجع نشوف هي دولة ولا لأ في الأساس؟ في شروط تانية تخلي الكيان دة مش دولة؟ طبعا.. سيادة الدستور والقانون.. عندنا ولا ده له سيادة ولا ده.. الاتنين بيتطبقوا على ناس وعلى ناس تانية لأ.. أول ناس مش بيتطبق عليهم هما اللي شغالين في الكيان اللي مسمي نفسه الدولة.

الدين بيقول إن إحنا كلنا سواسية، لكن الدولة بتقول إن في ناس فوق ناس. أنت أحمد دومة.. إذا أنت هتتسجن مؤبد وهتدفع غرامة 17 مليون جنيه.. أنت أحمد موسى.. عليك حكم بسنة سجن، لكنك ممكن تطلع في برنامجك مباشر وعادي تسافر مع وفد رئيس الجمهورية لألمانيا كمان.

كل ده باتكلم إننا عايزينها دولة بس، مش باقول دولة محترمة حتى.. أنا مش جايب سيرة الشفافية.. مش جايب سيرتها علشان مش عايز الأشرار يعرفوا أسرارنا.. مش جايب سيرة محاسبة المسئولين، ولا تعذيب الناس في الأقسام وقتلهم، ولا تهجير الأهالي من بيوتها، ولا الدولة اللي المفروض تكون قائمة على مفهوم المواطنة والمساواة، ولا حقوق المواطنين وواجبتهم. والأهم من دة كله، مش جايب سيرة الفشل والهبل والغباء اللي بنكتشف كل يوم إنه ملوش حدود.

انسوا كل المصطلحات اللي بتشرح نوع الدولة، لأن مفيش دولة.. وربما تكون هي دي مشكلة شباب كتير.. شباب عارف إن الكيان دة فاشل، لكنه مش قادر يفهم هو إزاي فاشل للدرجة دي.. الشباب بيتعامل مع المنظومة على إنها دولة، في حين هي مش دولة.. خبراء العلوم السياسية محتاجين يبتدعوا مصطلح جديد للمنظومة اللي حاكمة مصر.. وده ممكن يحل مشكلة الثورة كمان.. الثورة عندنا قامت على دولة بس ملقتهاش.

قولولنا إحنا بنواجه إيه أثابكم الله، وجزاكم خيرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top