ست الحسن الشقيانة التي حدثنا عنها ألبرت شفيق:
كنا وقتئذ في أواخر عام 2013، حين اتصلت بالأستاذ ألبرت شفيق طالبة مقابلته لكي أعرض عليه فكرة برنامج عن السوشيال ميديا، رحب الرجل بي واستقبلني في مكتبه بالزمالك ببشاشة متناهية، اكتشفت معها كم هو شخص طيب ومستمع جيد للأفكار الجديدة، بل وقادر على خلقها وابتكارها وتوظيفها في مكانها الصحيح، فقد وجدت لديه مشروعا متكاملا لبرنامج اجتماعي نسائي بعنوان \”ست الحسن\”.. عرض علي العمل كمعدة بالبرنامج، الذي اختار له المذيعة شريهان أبو الحسن، والتي كان قد اقنعها بتقديم هذا النوع من البرامج الاجتماعية بعد عملها لفترة طويلة بالأخبار والتوك شو، وأخد يتحدث بحماس عن خطته وتصوره للبرنامج، وأن ست الحسن التي يريدنا أن نخاطبها ليست سيدة الصالون أو عضو جمعية الليونز أو أية نجمة والسلام، فالنجمة وست الحسن من وجهة نظرة هي امرأة مصرية شقيانة، ولا انسى أبدا دهشته الفرحة وأنا اقترح عليه عمل فقرات وتقارير للبرنامج عن أم سيد بائعة الفطير بمحطة مترو المرج، وأم مينا بائعة الصور وأم فهد بائعة المناديل وأم يوسف بائعة الجبن القريش، وغيرهن من نماذج مصرية بسيطة مكافحة، فقد كان يرى أن ست الحسن هي كل امرأة مصرية بسيطة استطاعت أن تتحدى الظروف وتصنع منها دواسة تدوس عليها معلنة أنها الأقوى، فتدبر بقروشها القليلة ما يربي جيلا جديدا، وتدخل على أسرتها البهجة وتقيها ذل السؤال.
كان يحلم ببرنامج يكسر المعتاد ولا يقع في فخ القالب الحريمي الذي لا يهتم سوى بالأزياء والمكياج والطهي، وإن كان لا يهملها تماما، بل يخصص لها بعض الوقت، لكن جل الوقت لابد أن يتوفر لأمثلة ونماذج مصرية ناجحة وتجارب شبايبة جديدة تبث الأمل، وموضوعات اجتماعية ملفتة تناقش الثوابت الجامدة التي لم ينزل الله بها من سلطان، وتهز ما يجب أن يخضع منها للفحص والتنقيح.
وفي اجتماعات متواصلة لمدة شهرين، أخذنا نخطط معه ومع شيريهان أبو الحسن – التي أصابتها عدوى الحماس للبرنامج منه، وقررت خوض التجربة- ومع الأستاذ جمال الشناوي رئيس تحرير القناة والزميل العزيز زياد علي الذي شاركنا تقديم فقرة السوشيال ميديا لمدة ستة أشهر بالبرنامج.
ورغم حبه لكل ما هو غير تقليدي، إلا أنه كان عاقلا جدا في اختياراته، ولم يكن يوافق على أية أفكار صادمة للمجتمع كتلك التي نشاهدها تبتز المشاهد في فقرات مثل المتحولين والمثليين وغيرها، كنا نفكر ونشطح بخيالنا، فيصطاد هو مما نفكر فيه ما يناسب القناة والبرنامج ويلائم ذوق المشاهد المصري، ولذلك جاءت حلقات البرنامج منذ بدايتها في مارس 2014 معبرة تماما عن المرأة المصرية بكافة شرائحها وظروفها وأحوالها، فقد كان هناك مايسترو وضع الخطة، وتركنا نسير عليها ونبدع ونضيف.
وعلى مدى عام وبضعة شهور تألق \”ست الحسن\” بستات غلابة شقيانات وبعالمات وباحثات وأديبات حصلن على أرفع الجوائز ومطحونات تعرضن لعنف الزوج أو الأهل، وفنانات شابات يبدعن الجديد ولا يستسلمن لأطر موضوعة سلفا، وبفقرات اجتماعية متميزة تطرح أدق وأهم مشاكل الأسرة والمجتمع.
تعلمت الكثير من ألبرت، أو ألبير – كما ينادونه في القناة- أو بيبو كما يناديه المقربون منه، فهو نموذج لرجل متحضر واع.. معطاء.. إعلامي حتى النخاع، يقف خلف الكاميرا، لكنه يستطيع -بحنكة- إدارة كل من يظهر أمامها، ويضفي عليه من روحه وخبرته.
احب الجميع بشاشته وتواضعه وقدرته على نقل خبرته للآخرين، ولذلك كان خبر استقالته صادما للجميع، فلا أحد يتصور \”أون تي في\” بدون ألبرت شفيق، وهو ليس كلاما عاطفيا مرسلا، بل هي حقيقة يلمسها جميع من عمل معه وعرفه عن قرب.