استيقظت منذ عدة أيام، لا افكر إلا في الخلاص بمعنى salvation . ليس خلاصا من الحياة ذاتها، لكن خلاص مما ترسبه يوميات هذه الحياه في روحي، فأنا اعتدت أن احب الحياة.. احب أمي وأخوتي الصغار، واحب اصدقائي، واحب البحر، واحب الأكل، واحب الألوان – التي اصبحت لا ارتديها كثيرا – لكنني عندما استيقظت لم اتذكر كل هذا.. لم اشعر سوى بألم عميق.. اعرف أن حياتي لم يتبق بها إلا الألوان الأبيض والأزرق والاحمر، فهي ترتبط بيومياتي المؤلمه، فالمحبوس احتياطيا يلبس أبيض والمحكوم عليهم من الرجال يرتدون الأزرق والسيدات يرتدين الأبيض، أما من يحكم عليه بإنهاء حياته، فيرتدي اللون الأحمر، وصولا إلى كفنه.. الأبيض.
اعلم أن التفكير في الانتحار فكرة سخيفة حقا، فالنهاية لم يأت موعدها بعد، اعتدت أن اقول هذا واردده على مسامع من حولي في أحلك الأيام.. اعتدت أن اذّكر نفسي بأنني مفيدة، وأن باستطاعتي تغيير بعض الأشياء لكي استطيع النهوض من مخدعي صباحا، حتى بعد أن دخل نصف أصدقائي السجن، وقُتل النصف الآخر.. حتى بعد أن تحول من لم تنتهك حريته منهم إلى أشباه بشر.. حتى أنا.
لكنني فوجئت هذا الصباح وبعد أن غفوت على أخبار بأن قوات العسس تختطف الفتيات والشباب من منازلهم خوفا من أحد الأوهام التي يختلقها الشباب للعبث معهم وللاستمتاع بتحركاتهم المرعوبة, بخبر عن انتحار الأطفال.. نعم انتحر 22 طفلا منذ بداية 2015 بسبب الفقر والإعاقات البدنيه والأمراض المزمنه ولأسباب نفسيه.
إذن.. فكرة التخلص من الحياه فطرية! فالبدايه دائما ترادفها كلمة النهايه والبدايات لا تعني شيئا دون اليقين بوجود النهاية.
نحتمل فكرة السجن لأنه محدد المدة.. تنتهي المدة فنتحرر! لكن حيل الشيطان اصبحت أكثر شرا من أن تمنحنا النهاية، فالحبس الاحتياطي اصبح دون حد أقصى وحكم السجن لم يصبح نهائيا، لأنه من المؤكد أنه سوف يتم تحرير محضر آخر من داخل السجن، لأنك تنفست بصوت عال، أو احتسبت حقك عند خالقك ليتم زيادة مدة عقوبتك وتتسجن تاني، رغم إنك مسجون أصلا!
وإن لم تتعرض للسجن، فأنت ممنوع من المشي في الشارع وممنوع من دخول المصالح الحكومية وممنوع من السؤال \”ليه؟\” وممنوع من النوم في بيتك، ففي كل الحالات أنت تحت احتمالية القبض عليك، لأنك منضم لجماعة محظورة أو مشترك في الدعوة لاضراب أو مثلا مثلا على الأقل اسأت استعمال وسائل الاتصال أو خالفت قانون البيئة.
وكيل نيابه لمحامي: \”القانون فيه آلاف النصوص.. أكيد هلاقي مادة منهم، اعرف احبسك بيها\”.
وسع السجن كل شئ حتى أرواحنا.. وسع السجن كل شئ حتى الخلاص اصبح مسجونا.
نقلا عن جريدة الأخبار: افتتاح ثاني أكبر سجن بالقاهرة!