محمد حمدي يكتب: house of cards.. رؤية صارخة للسياسة الأمريكية

مسلسل house of cards  من المسلسلات النادرة سواء في تناولها للشخصيات أو للسياسة الأمريكية.

من الناحية السياسية أصبح المسلسل هو الأشهر في تناول السياسية الأمريكية , وهو ما عبر عنه أوباما حين طلب نسخة مسبقة من الموسم الثاني ليشاهدها.

ينقسم المسلسل لثلاثة أجزاء حتى الآن.. الجزء الأول يناقش كيف تدار السياسة في الكونجرس الأمريكي، وينتهي بالصعود الأول لفرانك لمنصب نائب الرئيس الأمريكي.. في الجزء الثاني يحكي عن حياة المجلس الرئاسي في البيت الأبيض، وعلاقتهم برجال الأعمال، وينتهي بالصعود الثاني بلا أنتخابات لمنصب رئيس الجمهورية.. الثالث يلقي الضوء على السياسة الخارجية الأمريكية بشكل أكبر.

من هو فرانك أندروود؟

ليس من المهم سرد تاريخ فرانك، لكن الأهم هو معرفتنا لفلسفته عن الحياة.. يرى فرانك أندرود أننا في عالم عدمي تملأه الوحدة.. يجب خوض التجربة بأنفسنا بلا مراعاة لأحد, وعلي أجساد الآخرين.. يقدس نفسه بطريقة غير عادية ويظهر تأكيد تقديسه لنفسه بتحدي المسيح في الكنيسة، حينما قال -وهو ينظر لتمثاله – (أصلي لنفسي من أجل نفسي).. فرانك يؤمن بعدمية العالم، ولذلك هو وجد من أجل نفسه فقط.. قليلون الذين لا يريد التخلي عنهم, الذين لم يقرروا دخول دائرة تقديس الذات, مثل فريدي (صاحب المطعم القديم المهمل الذي يحب فرانك تناول إفطاره عنده) الذي أفلس بسبب صراع فرانك السياسي.

حاول فرانك مساعدته لإعادة مطعمه له، لكن فريدي رفض.. لماذا اعتاد فرانك الذهاب لمطعم فريدي القديم المهمل ؟ ربما يمثل فريدي الجزء الأصيل غير الزائف في تلك الحياة الزائفة التي تحيط بالسياسيين، وأغلب المواطنين الأمريكيين.. يعتبر فرانك أن كل من دخل مجال السياسة هو يستحق المحاربة أو الأستغلال كما تسمح وضعية المعركة, الكل يمتلك ملفات وكلها ملفات حقيقة غير ملفقة, الجميع ملوث.. لا أحد بريء، والذي سيقترب من صراع فرانك لإيجاد معنى لوجوده في هذه الحياة التي بلا معني، سيدهسه.

كلير وفرانك:

في فلسفة فرانك أن رحلته يجب أن يكون له شريك فيها، وهي زوجته كلير.. برغم قسوة فرانك، لكنه يحب كلير بشكل حقيقي، حيث قال: أحبها أكثر من حب سمك القرش للدم.

لكن في وسط الصراعات السياسية يتناسى أن مشروع رئاسة البيت الأبيض هو مشروع لفرانك وكلير، وليس مشروعا لفرانك وحده, فيظل تجاهل كلير، إلى أن يحدث شجار بينهم، غالبا ينتهي الشجار بإعادة تنفيذ (الشق الخاص بكلير) مرة أخرى.

يمثل فرانك وكلير رمزا للشر وقذارة السياسة التي تتسبب في تشريد الملايين حول العالم, لكن لا تسطتيع إغفال فلسفة فرانك وكلير في علاقتهما الزوجية، ورقي هذه الفلسفة, أما  تنفيذ  فلسفتهما فتنفذ بقذارة وأستغلال جسد ومشاعر الآخرين, ففلسفتهما تعتمد على الصراحة الشديدة القاسية, وعدم الغيرة، وتفهم الآخر ورغباته التمردية، حتى لو كان التمرد على حياتهما الزوجيه.

فرانك وكلير نموذج للاندماج الروحي والتفاهم الرومانسي.. أظن أنهم مثال لفلسفة تقدمية في العلاقات الزوجية, يكون فرانك في علاقة مع فتاة أخرى، وكلير تعرف ذلك، وتطمئن على حاله بعد عودته. أما كلير فعند شجارها مع فرانك، ذهبت لصديقها السابق دون إخباره، لكنه عرف أين ذهبت وتفهم ذلك! وعندما أحتاجها.. أرسل لها رسالة معناها المبطن: (يجب أن تكوني بجانبي) وتفهمت كلير ذلك، وتركت صديقها وعادت له.. فرانك لم يكن ليرسل لها أي رسالة، إلا عندما احتاجها فعلا.

طوال الموسم الأول والثاني، لم يغضب فرانك غضبا حقيقيا غير تلك المرة التي وجد فيها الجنرال مغتصبا كلير، وهي شابة.. أراد تهشيم رأسه، وكاد أن يضيع كل شيء، لولا أن كلير قد هدأته.. لمن شاهد المسلسل، فغضب فرانك وتعريض كل شيء للخطر يعني أن كلير هي فعلا الشيء الوحيد الذي يحبه .

House of cards  ووهم الديموقراطية:

يعرض المسلسل بشكل صادم الديموقراطية في أمريكا, فانتخابات الكونجرس تدار بأموال رجال الأعمال.. الطرفان – سواء الديموقراطي أو الجمهوري- متشابهان, فالجمهوري لا يدافع عن الحريات (كحرية المثليين ) والعدل الاجتماعي لقناعته بذلك, أما الديموقراطي، فهو لا يدافع عنهم أيضا، لأنه سيخسر أصوات بعض المتدينين, وستقاد حملة إعلامية ضده من المحافظين.

المشاريع المقدمة للكونجرس  المتعلقة بحياة المواطنين أو بالجيش الأمريكي، هي في الآخر مشاريع لا تحتوي إصلاحات، بقدر ما تحتوي على شكل تدار به معركة إعلامية لأخذ أصوات من الحزب الآخر في الأنتخابات.

الإعلام في أمريكا هو إعلام مدار من رجال أعمال منتميين – سواء بشكل صريح أو بشكل مبطن-  لأحزاب, وأغلب الأخبار والمناظرات لفضح المنافس السياسي لا لعرض حقيقة (أو بمعنى أوضح الحقيقة، تعرض لأنها ضد المنافس)

النقابات العمالية أغلبها تخضع لمصالح أحد المتنافسين السياسيين وتوجيه تصويتات كتل العمال من رؤساء هذه النقابات، والانتهاكات التي تحدث ضد المرأة في الجيش الأمريكي، والأغتصابات التي تحدث لهن من الضباط أو لغيرهم.. الحياة السياسية في أمريكا ما هي إلا نظاما ديكتاتوريا له لسان حسن, بالتأكيد ليس كدكتاتوريتنا, لكنه بشكل ما نمط ديكتاتوري استغله فرانك جيدا، وهو الذي يعلم كل خفاياه لتحقيق صعود بلا انتخابات ووسط غضب شعبي.

المسلسل من الناحية الفنية:

يعتمد المسلسل بشكل كبير على الحوارات، فالأحداث متوقعة في أغلب الأحيان، وإن لم تكن، فلا تفرق كثيرا.. ما يفرق هو الحوارات، خصوصا الجزء الذي يتحدث فيه فرانك معك (مع المشاهد), فأصدق شخص يتكلم معه فرانك بصراحة ويعرض له خططه ونواياه هو أنت, وأحيانا يداعبك عندما تشغله أحداث حياته عنك، فينظر لك ليطمئنك أنه لم ينسك.

كيفن سبيسي برغم أنه حاصل على جائزتي أوسكار، إلا أنه يقدم واحدا من أنضح أدواره وأفضلها أداء, كذلك كل الممثلين سواء من أدت دور كلير أو دوغ وغيرهم.

يعاب على المسلسل أنه يظهر فرانك كأنه الوحيد العبقري، ولا يوجد منافس آخر له, لكن يمكن الرد أن الحياة السياسية بها أشخاص يمثلون طفره ما, ومن حق المبدع ان يتحدث عن هذه الطفره, وربما تكون هذه إحدى وجهات نظر الكاتب في السياسة الأمريكية.. أنها خالية من الأذكياء غير القادرين على إدارة الصراعات الداخلية والخارجية .

مسلسل house of cards  بالإضافه إلى أنه مسلسل عظيم من جميع الجوانب الفنية, هو مسلسل مفيد سياسيا.. ربما يساعدك المسلسل على فهم خبر تشاهده، سواء عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو المفاوضات الأمريكية الإيرانية, لأنك ستكون أخذت خبرة في فهم بعض جوانب إدارة السياسة في أمريكا، وأنت في منزلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top