الأفلام الهندية القديمة التي كانت تقدم بالتسعينيات على الشاشة الصغيرة، كانت تستهوي الكثير من الناس ولها جمهور عريض، كنت اقول لا مشكلة في هذا، حتى رأيت مشهدين أثبتا لي أنه حتى اللامعقول والمبالغ فيه. له جمهور عريض متحمس له.
المشهد الأول هو مشهد زميل متفوق في الثانوية العامة وقتها وبكليته العملية المرموقه، حتى إنه كان أول دفعته دائما. وجدته يحملق في فيلم هندي وتأكدت بعد السؤال أنه يعشق هذا النوع من الأفلام رغم نبوغه العلمي.. أما المشهد الثاني فهو مشهد قدوم أميتاب نفسه إلى مصر وكم الحفاوة التي قابلته من كل الأطياف التي تعجب بأفلامه وتتابعها.
هذه الأفلام على ما أذكر كان البطل فيها يمسك بالرصاصة المنطلقة بكف يده ويسابق القطار جريا على قدميه، ويجد رضيعا فينشئه تنشأة حسنة حتى يفاجئنا الفيلم أن الرضيع الذي وجده هو أبوه بالأساس.
يوجد الآن صراع سياسي واضح بين فصيلين يحشدان جمهورهما بنفس تقنية الأفلام الهندية، ولا عجب أن أميتاب قد حصل على كل هؤلاء المعجبين من كل الأطياف.. البسيط والمثقف، لأن ما يحدث الآن نفس الشئ، ويتابع كل فصيل أحداث الفيلم الهندي متحمسين له، فمرة أميتاب يأسر قائد الأسطول السادس الأمريكي، ومرة أميتاب يبلغه جبريل أن مرسي صلى بهم، وأنه عائد آخر الأسبوع.. مرة أميتاب يجبر الانقلاب على الترنح، ومرة أميتاب يطهر سيناء من الإرهاب، ولا شئ يحدث على أرض الواقع من هذا.. بل العكس تماما ما يحدث.
لا شئ يدعيه أنصار أميتاب يحدث، ولا شئ يكون فيه المنطق طرفا، فالحرب على الإرهاب التي يقدم النظام نفسه كواجهة له، فشل فيها قبل أن تبدأ، باتهامه لجماعة الإخوان المسلمين بأنها ترعى الإرهاب وقمعه لها ووضع قيادتها بالسجون، وعلى رأسهم الرئيس الأسبق محمد مرسي.
لم يسأل أحد نفسه من مشجعي أميتاب كيف تصل جماعة إرهابية الى الحكم وتظل فيه لمدة سنة؟ وكيف تقبل أوراق مرشحها أصلا؟ لا أحد يسأل كيف أمسك أميتاب الرصاصة، فلا أحد يريد أن يفوته الاستمتاع بالفيلم الهندي.
وأما الحرب على الإسلام، فيقودها الآن في وجهة نظر أميتاب الآخر التوأم، فهم يملأون الأفلام الهندية والواقع بمصر.. يقودها أميتاب الوزيرالمؤمن بطعم الثورة، الذي عينه أميتاب لأنه كان يبكي خلف أميتاب في صلاة الظهر.. الآن يحارب الإسلام، ولو كان قد قتل كل المعارضين لأميتاب وقت أن كان رئيسه وسجنهم، لكان خالد بن الوليد الجديد، ولكان المعارضون من العلمانيين والشواذ هم أعداء الدين والوطن.
إلي كل أميتاب يتابع أميتاب.. خذها واضحة صريحة تفسد عليك فيلمك.. ليست حربا على الإرهاب ولا على الإسلام، بل هي حرب دنيئة على كرسي الحكم، وعلى مميزات وغنائم السلطة.. الحرب على الإسلام موجودة، والحرب على الإرهاب موجودة، لكن ليس بهذا الفيلم.. هذا الفيلم تستخدم فيه الكلمتان لحشد مشجعي أميتاب ضد مشجعي أميتاب التوأم.
أما الحقيقة فيفعل عكسها تماما كل منهما.. ولا يهمه أن ينهزم الإرهاب ولا أن ينتصر الإسلام طالما كرسي الحكم موجود وبخير.
بعض ما يقوله أنصار أميتاب عن أميتاب الآخر صحيح، وتهمة أن أميتاب يستخدم الدين ستارا بها بعض الحقيقة، وتهمة أن الآخر يستخدم التخوين والوطنية سلاحا أيضا بها بعض الحقيقة.. لابد لكل أميتاب من سلاح يضم به الكثير من المشاهدين، ولابد من حكايات وهمية تحكي بطولات أميتاب وخيابة أميتاب الآخر، ولا بأس من بعض الصور والفوتوشوب المزورة. فالحرب بين أميتاب وأميتاب قواعدها هي قواعد الأفلام الهندية، والذي يتكلم فيها عن العقل والمنطق سيكون كافرا أو خائنا أو شاذا أو عميلا، فليختار لنفسه تهمة من تهم أنصار أميتاب أو أميتاب الآخر.
لم أر للشعب دورا في أفلام أميتاب إلا في آخر الفيلم حين يسقط أميتاب فيحرقون جثته ويلقونها في البحر وهم يشاهدون.
شاهدتهم مرة في 11 فبراير يوم التنحي، لكن أميتاب القديم الذي لا يموت عاد إليهم من البحر ضاحكا، وهو يقول: خليهم يتسلوا\” بالهندي طبعا\”.
ولم أر ما يشبه ثورة يناير في أفلام أميتاب، سوى تلك السيدة العجوز التي تتوسل إلى الظالم أن يوقف ظلمه، فيركلها بقسوة وتبكي على الأرض أسفل الكادر، فيقترب منها أحد الشباب ليواسيها، فيقتله الجبار –هكذا يكون اسمه بالفيلم- ويهدد من يقترب ليسقيها شربة ماء حتى.
هناك ضحايا كثيرين للصراع، ومنهم طيبون حسنو النية، ومنهم من لا ذنب لهم، ومنهم لديهم مبدأ يحاربون من أجله، ومنهم من هو في طرف أميتاب هذا وذاك، والكثير منخدع ولا يشعر.
الفيلم الهندي في صالة العرض المظلمة، ولا أحد يجرؤ أن يقول لأي من المشاهدين المتحمسين اعملوا عقولكم فيما ترونه.. نعم يوجد ظلم ويوجد قتل ويوجد سجن ومعتقلات، لكن ليس الأمر كما ترى من وجهة نظر أميتاب الذي تشجعه في الفيلم.. الفيلم المسمى بالحرب على الإرهاب وجزؤه الآخر المسمى بالحرب على الإسلام.. هما فيلم واحد بطولة أميتاب ضد أميتاب.. اسمه الحرب من أجل الكرسي.