(1)
عرفه أصدقاؤه مطربا جيدا بحق.. يعزف العود بتمكُّن، ويغني ألحان كبار المطربين، خصوصا ألحان الشيخ \”سيد مكاوي\”، والتي كان يجيد أدائها بصدق.
بعد انتهائه من دراسة الموسيقى، بدأ رحلة السعي بين الأماكن المختلفة، مطاعم وكافيهات، تلك التي تقدم فقرات موسيقية في سهراتها؛ كنوع من الترفيه لروادها.
كان الرفض هو الرد الذي تلقاه في كل مكان، والبعض لم يكتف بالرفض فقط، بل نصحه بأن يبحث له عن مهنة أخرى، يكتسب منها رزقه؛ لأن ما يقدمه \”مبيأكلش عيش في الزمن ده\”.
استوعب فنانا الصاعد الدرس جيدا، وعرف طريق كسب العيش.
وخلال شهور، صار واحدا من أنجح مطربي السوق، بعد أن بدأ في تقديم اسكتشات تسخر من أغاني الملحنين الكبار، يحرِّف الكلمات، ويشوِّه الألحان بشكل مضحك، ويغني بصوت يتعمد أن يكون رفيعا مضحكا.
حدث هذا منذ عشر سنوات تقريبا، كما يروي من يتداولون الحكاية.. ومازال يحدث حتى الآن.
(2)
أدرك \”وائل الصديقي\” اللعبة جيدا، بعد 13 عاما من التجربة.
13 عاما عمل خلالها المخرج الشاب في إخراج الكليبات، ولم يسمع به أحد.. حاول تقديم أفكاره من خلال 157 فيديو، قام بوضعها على قناته الرسمية على \”يوتيوب\”، ولم ينتبه له أحد.
أخرج أغنية عن مشروع \”قناة السويس الجديدة\”، وذهب بها إلى التليفزيون المصري الرسمي؛ فلم يجد مجيبا ولا مهتما.
أراد \”وائل\” أن يشتهر.. أن يخرج اسمه للنور، أن يعرفه الناس، حتى لو عرفوه بالإسفاف؛ فكان كليب \”سيب إيدي\”: كلمات مبتذلة، ولحن لأغنية أجنبية شهيرة، والموديل ذات الصدر الرجراج، والفستان ذو الفتحات المتسعة من كل الاتجاهات، والكاميرا التي تتمايل؛ لتلتقط الموديل المتمايلة من زوايا تزيد إثارة المشهد، وابتذاله.
وبالفعل، وخلال ساعات، كان الكليب حديث كل صفحات الفيسبوك، بعد أن حقق آلاف مرات المشاهدة خلال ساعات، وتداوله الآلاف، وخرجت المواقع الإخبارية بعشرات المواضيع عن الكليب ومخرجه والموديل التي ظهرت به.
\”وأكد الصديقي أن \”الذوق العام عاوز كده\”، وألمح إلى أن عددا كبيرا من المطربين بدأوا بالطريقة نفسها، وتابع: وأنا قررت أبدأ كده، وبعدين أرجع مخرج، لأني مش مطرب ولا موديل، وخالد حجاج بدأ بأغنية \”شكى بكى\”، وبعد كده قدم لون تاني، ولما اتسأل عملت كده ليه، قال عشان أظهر وأبان للناس\”.
هكذا فهم \”وائل الصديقي\” كيف تُصنَع الشُهرة في مجتمعاتنا العربية، وبالفعل، وللأسف الشديد، صار مشهورا في غضون أيام قليلة، حتى لو كان مشهورا بالابتذال.
(3)
هكذا تجري الأمور هنا، على مختلف الأصعدة الفنية والثقافية.
إذا أردت الشهرة؛ فعليك أن تقدم محتوى مختلفا.. هناك الآلاف في مجالك يعرضون أفكارهم عبر وسائل الإعلام المختلفة، خصوصا عبر الإنترنت، الذي سهَّل الأمور كثيرا على كل راغب في عرض أعماله.
في وسط هذا الزحام، كيف تصير مشهورا، حتى لو كنت تقدم محتوى عظيما من ناحية الجودة الفنية؟
عليك أن تكون مبتذلًا.. الابتذال يجذب الملايين من المتابعين.. سيتداولون عندها منتجك الردئ، حتى لو تداولوه بالسخرية والسباب.. النتيجة واحدة: ستصير مشهورا في غضون ساعات.
ونتيجة الشُهرة الحتمية أن تنهال عليك عروض شركات الإنتاج، ووكالات الدعاية والإعلان، ودور النشر.. الكل يسعى لاقتناء السلعة التي تكسب، تجلب الربح الأعلى، مهما بلغت المدى في الرداءة والابتذال.
(4)
بعد أن نالت الراقصة \”صافينار\” ما نالته من شتائم واتهامات، عقب ظهورها الأول في السينما من خلال الرقصة التي أدتها على أغنية \”على رمش عيونها\”، صارت أيقونة يتنافس عليها المنتجون الراغبون في نجاح أفلامهم.
\”أحمد التبّاع\” أيضا تم إدخاله في المنظومة، الرجل الذي ذاعت مكالماته الجنسية ذات الطابع الكوميدي، وتداولها الملايين عبر الإنترنت، صار مادة للبرامج الحوارية، وبطلا لإعلانات المنشطات الجنسية، وعن قريب؛ سيكون أحد أبطال فيلم جديد \”للسبكي\”، كما أعلن \”التبّاع\” منذ فترة.
في هذا العالم، كل شيء هو سلعة، ولكل سلعة ثمن، تحدده دورة رأس المال.
أما من يتمسكون بقيمة الفن، وأهمية المحتوى الثقافي الذي يجب أن يقدمه الفنّان؛ يمكنك أن تجدهم في القبور، أو أموات وهم على هامش الحياة، يتسولون الحياة ويستجدونها، يموتون دون أن يسمع أحد بهم أو حتى بأسمائهم، ولو على سبيل الصدفة.
(5)
لا يمكنك صك أحكام مطلقة، في أي موضوع في الحياة، لا توجد حقائق مطلقة في العموم؛ لذا ليس كل مشهور يقدم ابتذالا، وليس كل مغمور هو فنان حقيقي مظلوم.
هناك من اشتهروا، وهم يستحقون هذا، وأكثر، وهناك الآلاف من الفنانين المغمورين، وهم لا يمتلكون فنا حقيقيا أو تجارب صادقة.
لكن هذا لا يمنع أن القاعدة الغالبة تقول أن الرخيص ينتشر، ويتوغل، ويأخذ المساحة التي يجب أن يأخذها من يستحقون، بعد أن صارت \”الشُهرة\” هي مبتغى كل راغب في الربح السريع.
أخيرًا، إذا كنت قد قرأتْ هذا المقال، بحثًا عن إجابة للسؤال الذي وضعته في عنوانه، وقد ظننت أنني سأقدم لكَ الطريقة السحرية التي تصير من خلالها مشهورا؛ فأظن انك قد وجدتها في ثنايا المقال، لكني لا أنصحك أبدا باتباعها.. لا أنصحك أن تصير رخيصا.