محمود المملوك يكتب: متي يتوب الضباط عن القتل؟!

 

(1) استهلال بلا داع

جمع الضباط هنا لا يعني الكل، ولكن أقصد أغلبهم – بالطبع هناك أناس محترمون ولم تتلوث أياديهم بالدم قط- لكن انطلاقا من مبدأ الحسنة تخص، والسيئة تعم.. صار هذا السؤال، ولفظ \”يتوب\” مقصودا، لأنه ليس بعد القتل ذنب.

 (2) القصة وما فيها

في 2008 أجريت تحقيقا على مناهج كلية الشرطة التي تفرغ لنا هذا العنف القانوني والممنهج.. التحقيق رصد جملا وعبارات في كتب بعينها، تخرج شخصيات أقل الصفات التي تلتصق بها هي: \”العنف\” و\”الاستعلاء\” و\”السادية\”، لأنها درست عبارات على سبيل المثال منها: \”لا تلتحم مع الجمهور فيجب أن يكون لك وضعاً مميزا.. لا تجلس معهم على المقاهى.. لا تركب المواصلات العامة.. لا تخالط العامة أبدا، لأنك مميز عنهم\”، أضف إلى ذلك الممارسة العملية من أعضاء هيئة التدريس التي توضح لك من اليوم الأول أن لقبك هو \”باشا\” وعليك أن تخاطب زميلك في الدفعة بهذا اللفظ أيضا! أما من هو أكبر منك وأقدم، فلقبه بـ\”أفندم\”.. هذا أبسط شئ.. لن أخبرك عن التعلىمات الشفهيه الصارمة من أنه يجب أن تعطي الشعب بالجزمة لأنه لا يأتي سوى بذلك، حتى يحترمك.. تخيل شخصية طالب يتم شحنه بذلك لمدة أربع سنوات نظريا وعمليا ونفسيا وواقعيا.. أضف إلى ذلك نظرة وتعامل أسرته والمجتمع له من أول يوم دخل فيه كلية الشرطة، وحتى حصوله على \”النجمة الذهبية\”، وأصبح ملازما بعد التخرج.

الإجابة في السطور التالية:

 (3) هل حاسبت القاتل اليوم؟

أنت بالطبع سمعت وقرأت عن حوادث قتل أو تعذيب أو ضرب، تورط فيها \”حضرة الضابط\” لأسباب في الحقيقة تافهة، فتجد ضابطا أطلق النار على مواطن لأسبقيه المرور، أو آخر أطلق النار على جيرانه بعد الشك في علاقته بسيدة يتردد عليها، وآخر للجدال السياسي! وهل 25 يناير ثورة أم مؤامرة وهل 30 يونيو ثورة أم أنقلاب؟ والأدهى.. ضابط يطلق الرصاص على نفسه من أجل الشهرة إعلاميا، و\”الفشخرة\” أمام زملائه له على سبيل الهزار.. ناهيك طبعا عن القتل المغلف بأسباب سياسية مثل الحوادث التي صحبت ثورتي 25 يناير و30 يونيو وما بعدهما.. لا تنظر إلى القضايا البسيطة التي ستتوه وسط الأحداث.. تعالوا نكثف النظر أكثر على قضايا القتل الجماعي والرأي العام.

بحسب التقارير الصحفية هناك أكثر من ألفي قتيل وما يقرب من 6 آلاف مصاب و40 قضية تم رفعها ضد ضباط شرطة بتهمة قتل المتظاهرين.. اتهم فيها أكثر من 164 من رجال الشرطة، وبعد أكثر من عامين صدرت 103 أحكام بالبراءة لصالح الضباط، وحكمان بالإدانة، وفي 59 قضية حصلوا على أحكام مع وقف التنفيذ، كانت حيثيات الأحكام الصادرة في تلك القضايا متشابهة إلى حد كبير، وأهمها ضعف الأدلة، والدفاع الشرعي عن النفس وعن منشأة سيادية، وأن بعض من قتلوا أمام تلك الأقسام كانوا مسجلين خطر.. ولم يتم وقف الضباط عن العمل خلال فترة المحاكمة وتولت وزارة الداخلية دفع مصاريف وأتعاب المحاماة!

(4) الغطاء الشرعي للقتل

في 2012 خرج الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع وقتها في تسجيلات مسربه يقول فيها إن من غير المنطقي أو العدل محاسبة الضابط الذي يحمي منشأته في قضايا قتل أو حتى الذي يفض مظاهرة أو يطلب منه التعامل مع الجمهور، بمعني أصح.. من اليوم سينتهي عهد محاسبة الضباط في قضايا قتل المتظاهرين، ولن نسمح بهدم وزارة الداخلية تحت دعاوى تطهير الوزارة أو محاسبة الضباط القتلة، وذلك في إطار تشجيع وتعافي وعودة الأمن.

إذا.. الأمن يتعافى بمزيد من إراقة الدماء!

وفي 2013 لم يحاسب المتهمون في قضايا القتل السياسي بعد سقوط الإخوان، لأن الدولة كانت ومازالت تحارب الإرهاب، فألقى ضابط، قنبلة غاز، وأطلق الرصاص على 37 متهما عزل داخل عربة ترحيلات السجن، فماتوا جميعا، وتم إحالة القضية للمحاكمة، فتدخل والد أحد الضباط لدى مدير مكتب وزير الدفاع – وقتها – للإفراج عن نجله الذي صدر ضده حكم بالحبس سنة واحدة فقط مع إيقاف التنفيذ.

وفي 2014 حصل الرئيس الأسبق مبارك ووزير داخليته اللواء حبيب العادلي وستة من مساعديه على البراءة في قضية قتل المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير.

وفي 2015 لا يزال قاتل شيماء الصباغ غير معروف والمتهمين في مذبحة استاد الدفاع الجوي ينعمون بالحرية.

 (5) نسف القضية من الأساس

ينشأ الضابط على أنه منزه عن المحاسبة.. يرى قياداته يوفرون الغطاء الشرعي له، وزملاؤه يدافعون عنه ويغضون الطرف عن أخطائه.. لم ير وزيره وقد أقيل أو حوسب على أفعال القتلن أو أن زميلا له قدم فيه ما يثبت بالدليل القاطع تورطه في القتلن فكانت النتيجة أن كل القضايا انهارت (قتل المتظاهرين بسبب مسح اسطوانه تسجيل مكالمات الضباط والقيادات وكاميرات التفريغ- سيارة الترحيلات بسبب شهادات الضباط- شيماء الصباغ بسبب تضارب شهادات الداخلية- مذبحة ستاد الدفاع الجوي بسبب محضر التحريات.. وغيرها من القضايا).. لم تتخل الداخلية عن رجالها في قضاياهم أحيانا، وأحيانا أخرى لم تقدم المتهم الأصلي للمحاكمة من الأساس.

 (6) إذا

سيتوب الضباط عن القتل.. عندما تتغير مناهج كلية الشرطة – نظريا – ولا يغرس فيه مدرسوه أنه نصف إله، وعندما يتوقف الجميع على مخاطبته بلقب \”باشا\”، وعندما يقال وزير الداخلية عندما يخطئ، ويحاسب الضباط على القتل، ويعزلوا من مناصبهم، ويتوقف زملاؤهم في الوزارة عن مجاملة ضابط قاتل، في محضر التحريات وتقديم الأدلة على حساب الشعب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top